وزير سابق: البحث عن مصالحنا كبلد لا يمكن ان يكون منقصة" تدوينة"

سبت, 2022-07-09 11:46

في الحسانية مفردات عجيبة وعديدة.. لوصف الشخص الذي يقدم مصالح الآخرين على مصالحه بسبب العاطفة الجامحة ، وبموجب الانسياب خلف مشاعر الاعجاب الشخصي..

فيطلقون على هذا الصنف الفاظا معبرة منها " العادم".."والفايت"..واحيانا "المسيليب"

على كل حال لا يوجد عيب سياسي اقوى من ان يعدم رجل الدولة الانتباه للمصلحة الوطنية، وان تفوت عليه الفرص، فالفرص لا تتكرر..

فما راح انتهى.. والحياة الدولية سباق من تريث فيه خسر السباق...!

ان يسلب الانسان نفسه قدراتها ويشلها.. فذلك -لعمري- لمدعاة جليلة للتأمل..

لقد كانت الولايات المتحدة الامريكية بلدا صديقا لموريتانيا ومنذ اليوم الأول..حيث تمكنت ديبلوماسيتنا الوليدة، وبموارد بشرية محدودة، ان تشق طريقها للبيت الابيض..

نزلت طائرة الهيليوكوبتر ذات صباح برئيس الجمهورية في حديقة الرئاسة الامريكية حيث تبادل الخطب مع الرئيس الوسيم جون كندي..

وقد ترك رئيسنا انطباعا ايجابيا.. ملفتا للانتباه عند نظيره العظيم..

اندريه خوشمان القائم باعمال سفارتنا هناك استفاد كثيرا لتنسيق تلك الزيارة التاريخية من ظروف الحرب الباردة.. ومن دعم الامير كريم اغاخان..صديقنا وصديق جون كندي وهو النجم العالمي الذي وضع كل علاقاته لصالحنا..

ففتحت الابواب تباعا..

وهكذا تم تنسيق ذلك الاختراق الهام.

أمر جون كندي بتقديم معونة سنوية لميزانية بلادنا..ثم يسر لها سبل المساعدة الغذائية التي انقذت شعبنا من مجاعة ماحقة..ومول الطريق السفلي الذي فك عزلة كل الولايات الشرقية...ويعسر جرد مساعدات امريكا لنا، بسبب تنوعها وكثرتها، خلال تلك الفترة الباكرة من مسيرتنا الشاحبة.

والأهم..دعمت حكومة اميركا شركاتها.. ووجهتها للتنقيب في بلادنا..

وهكذا بدأت شركات تكساكو..واويل اميركا بالتنسيق لحفر آبار استكشافية ..بعد ان جالت فرق المسح الزلزالي بنواحي كرمسين..واقتربت من الجرف القاري المطل على المحيط الاظلم..

شاء الله ان ضابطا مصريا غرا.. ودون دراسة او دراية.. قرر ان يغلق مضايق تيران وان يطلب القوات الاممية المتمركزة على حدوده مع اسرائيل ان تنسحب فبدأت حرب هناك..
وأي حرب..
دمرت اسرائيل كل طيرانه ، وضاعت القدس وضاع الجولان.. والضفة والقطاع..

انه أمر مؤسف..

انه امر محزن..

لكنه لا يخصنا بشكل مباشر..

بارتجال وعفوية قررت موريتانيا قطع علاقاتها مع اميركا..

وطوي العلم الاميركي..جمدت المساعدات..ورحلت تكساكو

وتم ارجاء التنقيب..!

واطلق اسم الضابط المصري المهزوم على شارع الرمال..

لو لم نكن قطعنا علاقاتنا مع الاميركان لكان الغاز قد اكتشف في ربوعنا سنة 1970 واستغل منذ تلك الفترة..ولوفرنا على انفسنا كل العناء..كل العذاب..

كل المذلة الاقتصادية التي مازلنا نتجرع وحتى يوم الناس هذا.

بعد سنوات قليلة تحسنت علاقات مصر باميركا وتلقت مصر اكثر من 140 مليار دولار من الولايات المتحدة ...ولا يصل سقف المساعدات الاميركة لموريتانيا اكثر من 100 مليون دولار لمدة 60 سنة.

حين اشتعلت نيران حرب الصحراء ..وكان بومدين يضربنا مباشرة.. وعبر وسطاء

سعينا للتقارب مع اميركا ..واعيدت العلاقات..

لكن لا سلاح لنا رغم الحرب الباردة

لأننا لم نكن على قائمة الاصدقاء..

ولا مساعدة..مالية

ولا شيء..

ومع الوقت والجهد..بدات الامور تنفرج..

وعادت تكساكو..سنة 1989..
وبدا الخبراء ينهمرون على صحارينا..

فقرر صدام حسين احتلال الكويت..

وامهله العالم شهرين لللانسحاب.. فقال لخافيير بيريز ديكويلار: طز

وجمعت له اميركا تحالفا دوليا..

ورحنا نرقص في شوراعنا المتربة الوسخة احتفالا بجنون صدام..

وطوت تكساكو حقائبها للمرة الثانية..

ان البحث عن مصالحنا لا يمكن ان يكون منقصة

ولا يمكن ان يكون عيبا..

المهم هو نحن فقد تخلفنا عن الركب كثيرا..

بسبب الطيبة الزائدة

بسبب المشاعر الجياشة..

بسبب فيض العاطفة.

ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..
نقلا من صفحة الوزير السابق محمد أمين على الفيسبوك