إعلامي بارز يكتب/ هل من مصلحة النظام شيطنة بيرام ؟

أحد, 2022-05-22 14:11

كنت من الذين قالوا للرئيس غزواني ان النائب بيرام ليس أكثر من حليف مؤقت، ليس موثوق الجانب وأنه يبحث عن مصلحته الشخصية، وأنه سيكون أول من ينفخ في الساحة السياسية بوهج المطالب الفئوية التي تفرق بين الآمنين من فصائل الشعب، وأنه ببساطة يترأس فسطاط الشر. كنت شبه متيقن من ذلك ارتكازا على خلفية مساره المتذبذب مع عزيز الذي ساعده كثيرا في الإنبلاج كظاهرة سياسية "شعبوية" طفت على السطح وأخذت في التمدد على نحو مفاجئ وسريع.

لم يكن بيرام بالنسبة لي أكثر من ذلك الشخص الذي انبجس من الوهن السياسي الوطني وغياب المرتكزات الوطنية والقانونية للخطاب السياسي وللتنظير للجماهير، والتواء النخبة على الذات الضيقة للمصالح والأنانيات الفردية، ليبحث عن الوجود بينها عن الزعامة بأي ثمن، في حين لم تكن الجدارة رافعة لأي كان. وبالنسبة للشطط، فقد مر جميع الزعماء بنفس النمط في بداية المشوار. وكما ساعد أسلوب معاويه البوليسي البعض في اعتلاء عرش الزعامة، فقد ساعد عزيز بنفس الطريقة والأسلوب بيرام. إننا نعود أدراجنا دائما ونقف مدهوشين أمام نفس الفشل في خلق خط توافق وطني رفيع لا يقبل بالعودة للوراء بالنسبة لدولة المواطنة ولتدوير الخطاب الفئوي والشرائحي. قد يكون بيرام اليوم الأكثر تضررا وشهرة في آن واحد في الساحة السياسية والإعلامية، ومرد ذلك حجم الاستهداف الإعلامي، ولكونه في "دائرة السوء" بالنسبة للكثيرين، ولما يتعرض له من صناعة تصويرية عبر معلومات تتم صناعتها أو يتم التصرف فيها أكثر الأوقات. إنه اليوم يمثل صاحب أكبر أعداء سياسيين من جميع الزعماء على الإطلاق في البلد خاصة من داخل السلطة، وقد جعلوه للنظام مثل الشيوعية للغرب، جعلوه خطرا مطلقا يجب اجتثاثه لكي يظل النظام متمسكا بهم سواء كورقة مضمونة من داخل النظام يتم إبرازها في الأوقات المناسبة أو شركاء مهمين من خارج النظام، وخلقوا له صورة نمطية عامة دعمتها الألفاظ الغليظة لبيرام نفسه اتجاه بعض الرموز، ومفرداته غير الأكاديمية بل والمستقاة من أقرب المفاهيم السوقية والعنجهية، فلا يسعى بيرام المفوه لإرضاء النخبة في الوقت الحالي. لم يكن لدينا أي خيار أمام هذه الصورة النمطية التي لم يكلف بيرام نفسه عناء التأثير العكسي فيها، بل كان يضغط على الزناد في نفس الاتجاه وفي تسارع مع الزمن لكي ينتزع الاعتراف بأي ثمن وعلى أي نحوٍ بأنه صاحب طموح سياسي وطني كبير.
بيرام، ذلك المواطن القادم من مكان سحيق أو من العدم، يريد أن يكون شخصية وطنية مرموقة في وسط تجتاحه الزعامات الوطنية التي ظلت تحرك دفة السياسية لأربعين سنة، ويتم اجتراحها طيلة الزمن، وتبحث عن حصتها على الدوام، كما ظل يجهر بمعاداة مؤسسة اجتماعية خاملة تراكمت على مدى 11 قرنا على هذه الأرض: يريد قلب نظامها رأسا على عقب. لم يجد أي منا الوقت ليدرس هذه الظاهرة بصفة مستقلة، وحتى الذين اقتربوا منه سرعان ما قفلوا عائدين حيث لم يكن بيرام في مرحلة يمكن معها تحديد أو التنبؤ بمواقفه أو ثباته على علاقة واحدة ونهائية مع الأشخاص، ليضيف إلى صورته النمطية التي تزداد يوما بعد يوم تشويها آخر.

كنت أعتقد أن بيرام "ناسوت" لا يملك موقفا محددا ولا استراتيجية ولا تصورا، فقط يتصرف كيفما شاءت له الظروف من دون أي تخطيط ولا تفكير، وأنه يسعى لتسوية بعض الاختلالات المالية والقانونية في وضعه الحالي وفي علاقته بغزواني، الرئيس الذي يحتاج لتقليص الأعداء حتى يفرغ من حروبه الكبيرة الهامشية، وأن بيرام يملك رأس خيط الدهاء الآخر حتى يتسنى له فهم ووعي ذلك، وأن هذا هو مرد علاقته السريعة والمتسارعة بغزواني.

كان بيرام، وهو القادم من وراء كل قيود الدنيا لهذا المقام، يبحث فقط عن الاعتراف ولو "برمز أو قصب الشر المطلق "، وقد استخدم في ذلك أصعب المتاح، وهو التطرف والحرب الشعواء على مجتمع غارق في التعصب، وبتعريض نفسه للخطر وللتحالف مع كل الأضداد. كان لابد من هزات عنيفة، مثل حرق متون المحظرة، ومن الخروج عن المألوف في اللغة السوقية الجارحة، ومن تهديد السكون بتسيير مظاهرات عنيفة، وصدم العدالة العتيدة الظالمة بإظهار حالات استرقاق وترويع الناس للتخلي عن القاصرات في المنازل. وقد أخذ على ظهره معاداة حرمان أطراف مستفيدة داخل المجتمع من وضع متبادل بين المنافع والكسل، وتجاوز كل الحدود وكل المحظورات، وخلقَ ديناميكية كبيرة عبّر فيها عن نفسه ضمن زعماء الساحة السياسية، ولم يكن ليخلق تضامنا ولا اعترافا معه دون إحداث تلك الهزات، وأن يغير جلده ومواقفه مرات وهو في حرب ضروس ومفتوحة يخوض غمارها لوحده دون سند قوى، في حين يصطف الجميع ضده حتى خطباء الجمعة، وتلك هي أكبر أداة لتأليب المشاعر .
بيرام، الذي يملك خطة موجودة في رأسه وحده، لن يهدأ، ولن يروض، وهذا مكمن خطره السياسي. وقد خلق عبر جولته هذه الأيام في بعض الولايات الداخلية، ضجة كبيرة على التواصل الاجتماعي وفي ساحة نواكشوط السياسية التي تسيرها الانطباعات والمخابرات المروضة على الأغراض، وبسبب حجم الحركية التي أحدثها في الداخل وحجم التنوع الذي حظي به، ذلك النشاط الذي ألقى فيه بحجر ضخم داخل البركة الراكدة، وتجاوز جو الوجوم الذي يخيم على الساحة السياسية بدخوله حملة سابقة لأوانها. وقد استبق بذلك مرة أخرى الجميع وهو يقود حملته الشخصية القوية ذات الشظايا الكثيرة والتي أزعجت أولئك الذين لم يحركوا ساكنا والذين يدافعون عن فشلهم السياسي والإعلامي أمام الرئيس بتلفيق الحقائق السياسية حول حجم التأييد الشعبي للرئيس وعدم شذوذ أي أحد عن ذلك الانسجام الساسي الوطني. كما أزعج السياسين الذين يصطفون حول يحيى ولد أحمد الوقف وهو يريد وضع بصمته على المسار، كما أزعج جيوبا في السلطة تكرس أهمية كرتوونية خاصة لها، وتغطي على معلومات خاطئة عن التوازنات المحلية لا يمكن الوثوق بها بل إن جولة بيرام كذبتها، وقد تصرفوا في الوقت الضائع حينما ضاعت عليهم جميع فرص التصرف السليم ليحملوا السلطة جزيرة عمل مضر وفي غير وقته ومع أقرب الفرقاء.

بالنسبة لي، لا أجد في العودة عن التصور الخاطئ أي غضاضة، فقد تكفل لقائي مع السيد بيرام، حول أمور دقيقة وعميقة، مؤونة ذلك. وقد عرفت خلال هذا اللقاء أنه لم يكن بوسعه انتزاع الاعتراف بأي شيء آخر سوى ركوب تلك الموجات غير المتجانسة، وقد فعلها غيره قبل أن يصل إلى مرحلة الحكمة. وعلى ذلك قد تكون عين المسار قدرا مقدورا لكل زعمائنا. كما فهمت منه أنه ليس على مدى التاريخ هو نفس الشخص، ولا نفس المواقف أو نفس التصورات والرؤى. وفهمت أيضا أنه معارض يتملكه مشروع سياسي طموح، لكنه يقدر جو التهدئة الذي حمله غزواني بعد سنين من الشطط وانعدام الثقة وعدم يقينية المستقبل، وأنه يريد الاستفادة منه لزيادة شعبيته وحظوظه وطموحه السياسي دون أن يكون في ذلك نفخ في جو السكينة، وأنه يرى مثلنا أن فرصة ولد الغزواني سابقة ومهمة للبلد لتسوية اختلالات جوهرية خاصة بالنسبة للتناوب على السلطة وبالنسبة لتخليق العملية السياسية، وأن ذلك يحتاج لجهود الجميع وهو في مقدمتهم، وأنه أيضا يحتاج لبعض الوقت وهو لا يستعجله. وعرفت منه -وهذا أهم من كل ما سبق- أن علينا أن لا نحكم بشكلٍ مطلق على الأشخاص، خاصة حينما يكون ذلك متاح، قبل أن نتحدث إليهم ونناقشهم ونتعرف على الأجوبة والتفسيرات التي يعطون لسلوكهم ومواقفهم. وفهمت مرة أخرى أن غزواني، وإن كان جاء من بعدنا للحلبة السياسية، كان أعرف منا بكيف ومع من يجب أن يتحالف. وهكذا أعتقد أن بيرام وجد "صاحبه"، ومن المهم أن يحافظا على تلك الصحبة حتى يصل البلد لبر الأمان في كنف مقاربة السلم والتهدئة.