لازلت أتذكر ذاك الصباح الباكر و القارس من شتاء تيرس الجاف ، حين أمسك والدي رحمه الله بيدي و سرت أحث الخطى جنبا منه حينا و خلفه أحيانا في غسق من ظلمة آخر لليل، لم أكن يومها قد تجاوزت الخامسة من العمر و لم أكن أعرف ما الخطب وما الذي جعل و الدي رحمه الله يقض مضجعي في تلك الساعة الباكرة من الفجر ، لم يمضي و قتا طويلا على مسيرنا حتى دخلنا على دلك الشيخ الوقور طلع البهية و سيم الوجه ترومه عينك و تهواه النفس و الفؤاد من أول نظرة ، وأنتبهت و كان أول مالفت إنتباهي تلك الألواح الخشبية الموشحة بخطوط سوداء و تلك الكتب الصفراء المترامية يمينا و شمالا منه ، جلست و توجست خيفة من الحالة الجديدة و المحيط و ثلة أطفال و قلة من الرجال و النساء يحتمون في هذه الزاوية أوتلك من أركان ذلك البيت الطيني و أصوات و همهمة و نمنمة تصدر من حين الآخر ، أخذ الشيخ رحمه الله لوحا خشبيا متوسطا و خط بيمينه الكريمة أول حرف أمرت جزرا أن أقرأه و حفظته على مضض بعد تكرار و تكرار ولم أكن أعرف يومها أن في ذلك الحرف سر الحياة، أنه الألف أو (لليف) ، .. و ما أعظمه من حرف فبه و منه علمت ماشاء لي ربي أن أعلم .. الله ..و الرسول و أمي و أبي و الجنة...النار ..الحساب ..العقاب ..الدنيا ..الآخرة ..العلم ..المعرفة ..النجاح ..الفشل ...أخي ..أختي .. الحرية ..السياسة ..الصمود ..الحق ...وكل شيئ في هذا الكون و هذه الحياة له معنى دنيويا أو أخرويا يبدأ بالألف، هناك كانت البداية على يد الشيخ محمد عبد الرحمن و لد سيد المصطف الذي درست على يده الحروف الهجائية و حفظت على يده و في كتابه القرآن العظيم رسما و تجويدا و تصحيحا ، للألتحق بكتاب الشيخة صفية منت الشيخ ماء العينين رحمها الله مبتدأ من الأخضري و متن إبن عاشر و الألفية و عروض النحوى فالرسالة و الحاشية و إبن كثير و خليل إبن إسحاق بدأ من يقول...وحتى ..فلا إشكال ... على يد العالم الرباني العامل الزاهد المنزوي ...الشيخ سعد بن خطراتي أطال الله عمره بماعلمنا من علم في سبيل الله، وبين هذه الكوكبة من الأعلام و المدرسين و هموم و إكراهات التعليم النظامي و هوس سكنني بعدذلك بشغف العلوم الرياضية و الفيزيائية إلى أن تحررت في غفلة من الزمن من سيطرة الأب و الشيخ و المعلمة رحمهما الله جميعا و أسكنهم فسيح جناته ... و كان الموعد يومها مع شهادة الباكلوريا ...و لتبدأ مرحلة جديدة من التحصيل و الإستقلالية و الإهتمام ................... يتواصل في ثلاثة تدوينات ...إنشاء الله