أي الصيغتان سيتم اختيارها في جلسة غد التحضيرية التي سيعقدها الطيف السياسي في البلاد حول خطوط التوافق الوطني ؟ وهذه هي المعضلة الأولى للحوار بالنسبة للدلالة والشرعية.
فيعني التشاور ، وهي الصيغة التي يتمسك بها غزواني ويلتزم بها ، أننا أمام نقاش مفتوح لا محظورات و لا سقف له ولا تدخل للسلطة في مجراه و لا في مآلاته ، بين الطيف السياسي برعاية السلطة السياسية وفق إرادتها التي تتمشى مع أسلوبها في الانفتاح والتمهيد لشراكة سياسية واسعة وتغيير اسلوب ومفردات الخطاب السياسي والتعاطي بين النظام والمعارضة من جهة؛ ومن جهة أخرى ، لكي يظل النظام هو صاحب المبادرة وصاحب القرار في أمور البلد خاصة القضايا الوطنية الكبرى و ولكي يبقى ماسكا بالقرارات و الإجراءات التي ستحسب له وحده ، و حتى تكون نتائج هذا النقاش استشارية فقط وغير ملزمة و لا تفرض تغييرات جوهرية وعميقة تطال القوانين المؤسسة و الدستور؛ وهو ما من شأنه القيام بإجراءات عميقة وتغيرات واسعة أو إعادة فتح ملفات أغلقت وغير ذلك من القضايا التي تأخذ وقتا طويلا و حشدا وتعبئة و تاييد واسع لها من خارج الطيف غير المحاور.. والذي يمثل بالضرورة أغلبية الشعب الموريتاني الصامت.
أما الحوار ، فيعني الجلوس بين الفرقاء في صيغة الندية حول مواضيع بعينها وطرقها والخروج من الحوار حولها بخلاصات ونتائج؛ أي بمخرجات ملزمة للنظام السياسي من حيث التصديق عليها والعمل بمقاضاها وتوظيفها ودمجها في توجهات الدولة وقراراتها المتعلقة بمسارات تسيير الشأن العام . إن هذا المسار يعنى دخول الطيف السياسي في سياق الشرعية الوطنية الكبيرة التي يمكن من خلالها إجراء تغييرات واسعة في الدستور وفي القوانين وحتى في إعادة توجيه برنامج رئيس الدولة وهذا ما تصبو إليه المعارضة وتتمسك به لما يعنيه من نجاح لها في انتزاع التنازلات من السلطة لمصلحتها أو لمصلحة البلد أو لمصلحة المسار السياسي أو لمصلحة الدعاية الانتخابية وغيرها من الأمور حسب القضايا المبسوطة للحوار.. ولن تتوانى المعارضة في طرح القضايا ذات التأثير الواسع على الاصطفافات السياسية والشحن العاطفي والشرائحي و الحشد السياسي ، وتوظيف واستغلال جميع الأحوال و القضايا بما في فيها ظروف المواطن وغيرها من الأمور .
ويعد اعتماد المدلول الأول نجاحا للنظام في خلق علاقة جيدة مع الطيف السياسي بأقل الخسائر من التزامات وتنازلات قد يكون ضاق عليها الوقت أو قد تجعل النظام أسير أطراف سياسية لم ترشحه أصلا ولن تفعل ذلك مستقبلا على حساب مكوناته ومرجعياته وشعبيته، وبالتالي يكون قد حافظ على أحسن علاقة بالمعارضة ، و هو بناء صلات جيدة معها وما يترتب على ذلك من فتح فرص وحظوظ الاستفادة من الدولة والاستفادة من بعض مزايا الانفتاح ، بعدما كان الباب موصدا في وجوها ، وكان المعارضون لا يسمعون إلا سقط الكلام والأوصاف والنعوت وكانوا محرومين ومهمشين ،بينما أصبح لهم اليوم رأي وشراكة ومصالح وعلاقة بالدولة .
أما المدلول الثاني أي الحوار ، فيعد نجاحا للمعارضة حيث تكون قد استطاعت أن تطرح، وبندية، مشاكل كبيرة وتجر السلطة للجلوس معها على طاولة حوار لم يكن ضمن أجندتها ولا تحتاج له في الحقيقة، و ذلك لبحث قضايا البلد التي ترى المعارضة أنها هي التي تعيق المساواة وتقدم البلد ، وأن نتائج الحوار ستنعكس على قضايا البلد وقضايا المواطن وستفتح مزيدا من الفرص والحظوظ والمساواة أمام المواطن، وأن هذا لم يكن ليقع إلا بتدخل المعارضة وضغطها المستمر على السلطة.. وهكذا تحصل المعارضة على شرعية الشارع والمجموعات الكبيرة في البلد حسب القضايا المطروحة وستكون بذلك أكثر وطنية من النظام من خلال حرصها على حل المشاكل القوية ذات التأثير الكبير على المجتمع والدولة..
ومن هنا يبدأ الحوار أو التشاور أو يبدأ المسار الذي سيحدد مستوى التفاهم وحسن النية بين الفرقاء : سقفه، وآجاله وحدوده الزمانية والمواضيع التي ستطرح ، وطبيعة هذا الحدث السياسية. أهو تشاور أو حوار أهو عمل سياسي لفائدة السياسيين والشخصيات المتهاوية لإعادة الاعتبار السياسي والوطني لها من خلال عملية جذب وشد سياسية ، أم هو عمل وطني نضجت له ظروف الثقة والتفاهم بين الأطراف ونضجت له الفروق الاجتماعية والسياسية ووُجدت له إرادة سياسية خيَرة تقدر مشاكل البلد وتسعى مع أبنائه ممن قدموا التضحيات وقارعوا الاستبداد والظلم لمدة طويلة وفضلوا الحرمان والتهميش والسجن على المصالح الشخصية والنفعية..
هذا ما سيجليه لنا حدث يوم غد إنها بداية مسار سياسي صعب لابد من قدر كبير من الحكمة والتحكم في ترتيب الأولويات و وضع نظام ومعايير للقضايا التي يجب أن تطرح لهذا الحدث..فايهما ستقلب طبقتنا السياسة الوطنية والنضج أو معركة اي الذراع والمزايدة السياسية التي هدف أن يكون هناك غالب وهناك مغلوب !؟
محمد محمود ولد بكار