إن المتتبع للشأن العام الوطنى يجد أن الدولة شهدت - منذ إنشائها – العديد من المشاريع التنموية ، كالتحسين الزراعى و الحيوانى ، و الرفع من مستوى دخل القطاع المنجمى و تطويع المسار الديمقراطى... هذا التطور الحاصل في جميع مفاصل الدولة- منذ الإستقلال-
لم يغير من معاناة المواطن ، بل أحدث إختلالات عميقة في حياته – خاصة حياته اليومية التى يعيشها و كأنه أجنبي في وطنه- أسعار المواد الأساسية و البضائع المختلفة مرتفعة بشكل جنونى،تخطيط المناطق الحضرية و إعادة تأهيلها فوضوى و غائب تماما عن رقابة الدولة بشكل فعال و إيجابى، و تدخل رجال الأعمال و المقاولون في الكثير من المشاريع واضح للعيان" لا رقيب له و لا عتيد" و لا يحتاج إلى شهادة عدول، و رواتب الموظفين و عمال الدولة متدنية بصفة مخيفة ناهيك عن رواتب عمال القطاع الخاص التى لا تخضع إلا" لقانون الغاب " و لا تلبى رغبتهم في أبسط مقومات العيش الكريم و بالأحرى حقوقهم في الإستفادة من العلاوات الضرورية- لأي عامل- مهما كانت طبيعة تعاقده مع رب العمل.
و الأسئلة المحيرة التى يجب طرحها في هذا السياق : لماذا كل هذه الإصلاحات و كل هذه الخطط – بعد أكثر من 50 سنة- التى تستهدف الوحدة الوطنية و تذويب الفوارق الإجتماعية بين مختلف مكونات المجتمع، و القضاء على العبودية و مخلفاتها -الجلية في أحياء الصفيح في المدن و آدوابه في الريف- لا ترى النور إلا فاترة أو قاصرة ؟ و إن رأته باءت بالفشل نتيجة ضعف إرادة الدولة في التصدى للعوائق الحقيقية التى تقف دون القضاء نهائيا على هذه الظاهرة،و استعلاء الطبقة المتمسكة بالسلطة على الضعفاء و الفقراء أرقاء الأمس رهينة الحاضر ، و المساكين من الزنوج و غيرهم...و كذا الطموح الجامح الرافض لأي شكل من أشكال التناوب على السلطة والبحث عن الحلول المناسبة للرفع من مستوى معيشة المواطن، و اتخاذ تدابيرأمنية و إقتصادية و سياسية حدت بالبلاد إلى نفق مظلم تشكلت من خلاله بوادر أزمة ظلت حاجزا دون التفاهم و التوافق و التحاور الحقيقى الذى من شأنه تقريب وجهات النظرو المضي بالوطن إلى بر الأمان، و التظاهر بسياسة الحكم الرشيد و تطويع الديمقراطية بدل تطويرها و السهر على استمراريتها. كل هذه الأمورمع غيرها شكلت عقبة دون استقرار البلاد .
إن التطرق لموضوع الوحدة الوطنية و محاولة حلحلته دون الرجوع إلى الوراء قليلا لعلاج العبودية و مخلفاتها و دك كل الخنادق التى تدافع عن أصالة المجتمع البيظانى و أنه يجب أن يبقى على حالته و أنه متآخ و متعايش منذ عقود من الزمن و لا يحتاج إلى نشر العدالة بين صفوف مكوناته المختلفة، و أن الثروة فقط لمن قام بتحصيلها ولا تهم كيف هنا في هذا الصدد؟ ، وأن الأراضى للقبيلة و الكل له الحق في استغلالها و لكن ملكيتها ترجع للسادة من رؤوس القبيلة و أفاضلها، و أن القضاء للجميع و لكنه لا يمكن أن يفضل سيد على رقيق... إن هذه الوحدة الوطنية التى تبقي حالة المجتمع على هيئتها و كل التفاصيل في محلها دون تغيير لا تعتبر وحدة وطنية بل نوعا من الغبن و التهميش و طمسا للحقائق و دفن لنفايات قد تضر أكثر مما تنفع كما يمكن في أي لحظة أن تنبعث منها أسباب تجر المجتمع إلى الصراع و الانقسام الشرائحى المقيت.
وحدة وطنية على هذا المنحى و بهذا الشكل من التضليل قد تطيل من عمر النظام و أزلامه و لكنها في الوقت نفسه قد تضرم نارا لا يمكن إطفاءها بسهولة.لأن ما بني على باطل يبقى باطلا ما بقي" اللحا و الخشب"