محمدّ بن البار
كلمة الإصلاح ما زالت تؤكد أن أكبر ملف فسادا في موريتانيا هو ملف الفساد الثقافي بتفرنس إدارة موريتانيا ، تلك الجريمة المستمرة الخارقة حقا للدستور الموريتاني ، وما علي كل موريتاني وطني حقيقي أن يحز في نفسه هو استمرار هذه الجريمة أولا من طرف من ينص الدستور أنه حاميه وهو رئيس الجمهورية وديوانه وأعوانه من مستشارين ومكلفين بمهام ، وجميع السلطة التنفيذية الكل وضعوا في صفات نعت الله بها بهائم الإنسان الذين لهم قلوب لا يعقلون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها هذه الأوصاف يوصف بها أغلب هؤلاء المسؤولين في شأن ملف الفساد الثقافي في موريتانيا.
وهنا أود أن أسمع هذه الكلمات عن اللغة العربية التي كتبها العلامة محمد محفوظ ولد المختار فال الشنقيطي عن ما بذله الأجداد المخلصين من جهد في سبيل المحافظة علي لغة القرآن ولغة أهل الجنة ولغة الشناقطة حقا يقول العلامة في شرحه للمقصور والممدود : ( وبعد فيسرني أن أقدم إلي سدنة كتاب الله العظيم وعشاق لغته الغالية هذا الأثر النفيس من آثار سلفنا الصالح رضوان الله عليهم ورحماته عليهم أجمعين ، هؤلاء الأفذاذ الذين بذلوا الغالي والنفيس فضربوا الأكباد وهجروا لذيذ الرقاد لصون هذه اللغة العظيمة لغة القرآن الكريم وحمايتها من الاندثار والأفول ، فكان النتاج آثارا نفيسة تدل علي رسوخ قدم وعلو كعب وسمو همة ، فرحم الله هؤلاء الأعلام وأعلي مقامهم في الخالدين ).
والذي يتيقن جميع الموريتانيين أن هذه الأوصاف المتقدمة التي اختتمت بذلك الدعاء المؤثر لا مطمع للسلطة التنفيذية لموريتانيا الحالية ولا الماضية في أي نصيب لا من الوصف ولا من الدعاء الخالد ، بل أٌقرب إلي الذهن أن توصف السلطة التنفيذية هنا بأنها خلف تركت قرآنها واتبعت شهوات من لا يريدون أن تكون لهم أخلاق في الآخرة يكلمهم الله فيها بهذه اللغة التي شكي رسول الله صلي الله عليه وسلم قومه إلي ربه من هجران قرآنها فمن لم يعرف حقها فذلك أكبر هجر لقرآنها الذي جعلت وعاءا له ، ومع ذلك فالله يمن بها علي كل عربي هي لغة أمه كما قال تعالي : (( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون )).
وهذه الكلمات التي سطرها العلامة عن ما بذله الأجداد في الاستمساك بهذه اللغة هي وأصولها والتي كتبتها الآن في أعلي الصفحة فإني سوف أكتب في أسفل الورقة البيان الهزيل وطنيا وعزما وموضوعا الذي أصدرته الأحزاب 11 في آخر اجتماعهم ، أصدورا بيانا مشتركا فيه نسخة مسجلة من أول يوم انقلاب علي الحكم المدني الأول ، تلك النسخة التي تمجد العربية بكلمات وتذكر أنها لغة ديننا ، وهنا يتوقف أي تحرك في وجودها أو إدخالها في الحياة النشطة ، والفضيحة الكبرى أنهم يتبعونه دائما بجملة أخرى تنسخه من أوله إلي آخره مع أنها لا معني فيها فهي تقول في هذا البيان نفسه فقرته الثانية أن البيان الذي نشره حزب الكرامة بعنوان التعليم والإصلاح المرتقب والذي شارك فيه ما يسمونه الحزب الحاكم وكذلك ما يسمونهم بعض الأحزاب القومية جاء في هذا البيان "أنه يؤكد علي ضرورة الانفتاح علي العالم بامتلاك لغاته الحية والقدرة علي التواصل معه وذلك لضمان تكوين متوازن لأجيالنا ".
ومن هنا ظهرت الأوصاف أعلاه للسلطة التنفيذية وهو عدم العقل والعمى والصمم فضرورة الانفتاح تقال لشيء كان مغلقا ، فاللغة الهزيلة التي في آخر رمق لها والخبثاء أهلها هي التي كانت وما زالت تضع بأخمصيها الحافيين علي لغة كلم الله بها جل جلاله أمة محمد صلي الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام ومنه مباشرة للنبي صلي الله عليه وسلم بدليل قوله تعالي : (( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه )).
أين المنوه عنه بالانفتاح عليه ؟ فالمطلوب الانفتاح عليه هو اللغة العربية المهجورة تماما من طرف السلطة التنفيذية ، فأنا لا أشك في أن إدارة النواب سوف تكون أشد تفرنسا من غيرها وقد ظهر ذلك عندما قاموا بأبحاثهم في ملفات السلطة بالفرنسية حتى اضطروا إلي ترجمتها لأن التقارير ذاهبة إلي القضاء شبه المعرب في أحكامه إلا أن غالبية الشعب تطلب من النواب أن يستخرجوا ملف الفساد الثقافي المزمن كملف يجب النظر فيه أو يصدروا فيه قرارا يفسر كون الدستور في مادته السادسة التي تقول " اللغة الرسمية هي العربية " ومع ذلك لا يكتب فيها في السلطتين التنفيذية والتشريعية إلا باللغة الفرنسية ، وأكبر احتقار لهذا الشعب هو قيام رئيس المجلس الدستوري عند تدشين مقره الجديد بإلقاء كلمته في مكتب المجلس باللغة الفرنسية ، والشعب كان يستمع له دائما وهو وزير الدفاع يلقي كلمته بالعربية الفصحى ولكنها الفضيحة علي الشعب التي لا يستحي أي موظف ما من كشف عورة لسانه أمامه.
وبالرجوع إلي البيان الذي هو بمثابة حديث معاد كما وكيفا فلم تقل الأحزاب ما هو معد لديها من العمل إذا لم يستجب أي أحد لبيانهم بالتمسك بالعربية كما هي العادة فيما يتعلق بالتوصيات في قضايا العربية فما ذا ستقوم به هذه الأحزاب من ردة الفعل غير المعهودة في هذه الحال .
وباختصار في هذا الرقم من المقالات أن من يريد أن يتمسك بالعربية المهدورة حرمة احترامها فعليه أن يحضر لإصلاح التعليم بقوة وطنية خارقة ، ويتمسك بوضع منهج للدراسة بالعربية وحدها من الروضة إلي الثانوية العامة ، وتكون اللغة الفرنسية مجرد تعليم لغة للتعامل بها مع الأجانب في غير الرسميات ، أما جميع المواد العلمية – فيزياء-كيمياء- رياضيات – علوم طبيعية – إلي آخره فيجب أن تكون باللغة العربية لتتفق مع البيئة والعادات والتقاليد إلي آخره من حياة المجتمع (( ومن يخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )).
وإلي مقال ثالث في الموضوع بإذن الله