أعترف لكم صراحة أن من يقدم على نقد "تواصل" من بين كل الأحزاب الوطنية، سيفكر كثيرا ويتردد مرات، وليس ذلك إلا لما يعرف أنه سيتعرض له من سبّ شخصي وشتم مقذع وتهكم وإهانة من طرف بعض ـ أقول بعض ـ منتسبي هذا الحزب وبعض كوادره، لكن قد تكون هذه الميزة وحدها كافية لأهمية نقد هذه المؤسسة الوطنية، فهذا الخوف والرهبة من التعرض لهذه السهام، يجب أن يكسر حاجزه حتى يكون أي نقد أو تقويم لهذا الحزب أو قياداته مجرد تعبير عن رأي في إطار الشأن العام مثل كل الأحزاب، وليس ردة أو فسقا أو جرما يهابه الجميع.
في هذه السطور أحاول تسليط الضوء على بعض ثغرات الحزب في تعاطيه مع الشأن السياسي وخاصة في علاقاته مع حلفائه المفترضين، وبعض تضارب المعلن من سياسته مع بعض منعرجات ذلك ومخرجاته، وكلي استعداد لما يترتب على ذلك، خاصة أني أحصيت خلال الساعات الماضية عشرات التدوينات الشاتمة والساخرة من طرف كوادر شبابية من هذا الحزب، إضافة إلى ارشيف الأيام القليلة الماضية، بسبب تدويني عن#حراسة_الوهم أو التراتبية الطبقية، رغم أني لم أذكر اسم ولا صفة تواصل، هذا علاوة على ارشيف لقيادات شبابية حزبية موغل في السخرية والنقد ـ حتى لا أقول الشتم ـ قبيل الحملة وأثناءها، ولكن كل ذلك مقبول ما دام في إطار الشأن العام، والتدافع فيه والرأي والآخر، وإن كان الرد على الفكرة بالفكرة أولى من القدح والسب الشخصي، فالتدافع في الشأن العام أمر طبيعي، وتباين الآراء فيه ظاهرة صحية، والأمر لا ينبغي أن يتجاوز ذلك.
*عمى الآيديولوجيا الدالتوني
من أهم المآخذ على الايديولوجيات عموما ـ بما فيها تواصل ـ هو الانطلاق غالبا من فكرة "نحن والآخر" حيث يتم النظر للشريك الوطني مهما كان قربه ك"آخر" بما يعنيه ذلك من إنعزالية واستسهال للإقصاء، هذا إضافة إلى الاستعداد التلقائي لضرب المتفق عليه حتى وإن وصل إلى 90% بسبب المختلف فيه وإن قلّ، فهذه سمة الايديولوجيات أي الاتفاق المطلق بل التبعية أو الاقصاء والسحق دون ضوابط، ويمتاز المؤدلجون بطاعة عمياء وبازدواجية مضحكة حتى مع الحدث الواحد والظاهرة الواحدة، ومن ذلك:
ـ يحمل التواصليون لواء الوقوف ضد التطبيع بجدارة، طبعا إلى جانب ألوان فكرية وسياسية أخرى، ومع ذلك لم يمنعهم الأمر من المشاركة في حكومة يرفرف فوق رؤوسها علم الصهاينة، وبعض كبار أعضائها زار تلابيب وكان عراب التطبيع، في وقت يكيلون بمكيال مختلف بهذا الخصوص تجاه "الآخر" مهما كان!
ـ الموقف من الفساد: يتبنى حزب تواصل موقفا "راديكاليا" من الفساد، ومع ذلك قام الحزب بترشيح مفسدين قادمين من السجن وأياديهم ملطخة بالمال العام، ومن يريد أمثلة من ذلك عليه أن يعود لقوائمهم النيابية خلال النيابيات قبل الماضية التي انفردوا بها مع النظام دون حلفائهم. وتعرفون جميعا أن الترشيح تزكية، ولا أعرف تحت أي بند تدخل تزكية المفسدين، المهم أن العمى الايديولوجي يحول دون نقد ذلك!
ـ ازدواجية التعاطي مع علماء البلد، ومع بعض الأحداث والوقائع التي بينوا فيها مواقفهم، ومن ذلك الحرب على اليمن والولاء المعلن للعرش السعودي، قبل أن تتغير البوصلة 180 درجة وخلال فترة وجيزة جدا، فتغيرت الخطابات والخطب والتدوين والمواقف الخ، وينطلق الموقف من العلماء من طرف كثير من القوم حسب قربهم أو بعدهم من التوجه العام "للحزب ـ التيار" ، فمنهم من يتحول إلى عميل بمجرد فتوى أو اجتهاد هو أهل له، لكنه لا يوافق التوجه العام للحزب أو أجندته وآخرون يكونون محل ثقة واتباع حين الاتفاق، دون معيار منهجي سليم ومنصف!
ـ الترحيب وعدمه، والولاء وعدمه للرؤساء العرب دون معايير واضحة، حيث أصدر القوم بيانا يرحب بالقادة العرب ـ عموما ـ قبل القمة العربية بأسبوع على الأقل، وهي القمة التي كان يفترض أن يحضرها السيسي، هذا علاوة على موقفهم من رؤساء متهمون بإبادات في بلدانهم نتيجة الشراكة في الخلفية الفكرية أو المصالح السياسية أو المادية الخ
ـ من بين تهافتات الايديولوجيات مسألة النقد المتبادل بمسألة التبعية للخارج أو العلاقة به، وما كثير من جماعة تواصل ببعيد من ذلك المنطق، ومن المضحك أن ترى بعض القوم يأخذون على آيديولوجيات أخرى العلاقات بقادة عرب ومسلمين، في حين يغرقون في ذلك إلى الودجين، إنه معيار الايديولوجيا المتناقض أيضا.
*حلفاء أم عابرون؟
تميزت علاقة "تواصل" مع بقية اللون المعارض بنوع من الضبابية طيلة السنوات الأخيرة، وقد وصل الأمر إلى انفراد الحزب بالمشاركة دون بقية المعارضة في انتخابات 2013، في نازلة الانخرام بواحد، وقبل ذلك قررت جبهة المعارضة 2009 ترشيح الرئيس مسعود فترشح التواصليون وحدهم في مسار كانت أولى مخرجاته "المعارضة الناصحة"، ووصل الأمر إلى التحالف مع حزب الحاكم في انتخابات مجلس الشيوخ، ومع ذلك ينطلق كثير من أطر وكوادر "تواصل" من مبدأ أن أي نقد للحزب هو عبور إلى النظام والتقرب إليه، وهل يوجد تقرب للنظام أشد من التحالف معه علنا، والانفراد بالمشاركة اياه، وزياراته والنقاش معه سرا، كلها تجليات التقرب والاقتراب!
إن بعض كوادر تواصل وكتابه ومدونيه أشد غلظة على الحلفاء المفترضين منهم على النظام، والارشيف يتيح لأي شخص ما كتبوه ويكتبونه في حق رموز المعارضة وأحزابها وكتابها بمجرد اختلاف بسيط، أو تقدير متباين أو توضيح بعض أخطائهم في ميزان الشأن العام والمسار المعارض. أما ما يكيلونه لقياداتهم السابقة ومنتسبيهم ممن غير رأيه ـ ولو تحت ضغط سيف الضرائب في ظل نظام لا يرحم ـ فمشهود ومعروف، حيث لا تشفع سوابق هؤلاء ولا ما قدموه لتواصل ومشروعه.
*القاموس الخاص
يمتاز بعض كتاب تواصل وأطره ومدونيه بقاموس خاص لتأديب كل من يختلفون معه، فالتخوين والتفسيق والاتهام بالعمالة والارتزاق تهم جاهزة، أما تهمة الغرور والبحث عن الشهرة ولفت الانتباه والتهور والسطحية والمراهقة الفكرية والانتصار "للذات" فهي مجرد دلع ولمسات لطيفة للمخالفين المبجلين. ويكاد الجميع "الآخر" يسكت خوفا من هذه القواميس الردعية، والاتهامات القذعية، حتى أصبح الحزب يكاد يكون صنما لا يمكن لمسه ولا التعرض له ولو بملاحظات أو نقد مهذب من حليف أو مشفق أو صديق عاتب!
#حراسة_الوهم
حزب تواصل ـ باستثناء ثلة من الشباب المتميز الواعي، وبعض القيادات القليلة، هو حزب يميني "بيظاني" تقريبا، رغم أنه شهد السنوات الأخيرة بعض التجميل الديكوري الذي إن كان بعضه نتيجة لعصامية شخصيات من ألوان أخرى وتميزها داخل الحزب تميزا لا يمكن القفز عليه، فبعضه يدخل في إطار التلوين الدعائي، ومن هنا يمكن أن يقال إن كثيرا من قيادات تواصل لا تختلف كثيرا في ميزان المجتمع عن البقية، ومن يريد معرفة مواقف هذه القيادات بخصوص القبلية والطبقية ما عليه إلا أن يسمع خطبها في الزيجات الاجتماعية وما تكيله للقبائل من مديح وثناء يكرس الولاء القبلي ومخرجاته التراتبية، أما تأثير الأبعاد القبلية ومشتقاتها فقد تجاوزت التوازنات في الترشيحات في الداخل إلى المدن الكبيرة بما فيها العاصمة. وتتعرض بعض الشخصيات التقدمية في الحزب لهجوم كبير وإقصاء أكبر في كل مسارات الحزب، بسبب هيمنة الطبقة التقليدية فيه، وهي طبقة ترتهن للبعد القبلي والواقع الاجتماعي والمصالح المادية ارتهانا كبيرا على حساب رسالة التغيير الجذري في المجتمع والبلد.
إن حزب تواصل رغم أهميته ـ من أهم الاحزاب الوطنية ـ يحتاج الكثير من النقد والتغيير داخله قبل أن يغير المجتمع، وعلى من يؤمن بذلك أن يحمل لواءه ويستعد لحمل تبعاته من طرف ألوية الولاء الأعمى وحمَلة قاموس الشتم والسب والتخوين، وربما التكفير إن استدعت الضرورة.
ربّ إصلاحيين يحتاجون إصلاحا !
#وحسبنا_الله_ونعم_الوكيل
"تواصل"