لفقر السياسي هو ما يعانيه "حزب الصواب" و سبقه له حزب التحالف الشعبي التقدمي ولازالت أحزاب أخري تعانيه و حركات سياسية قديمة و ناشئة سوف تعيشه.. مصطلح غريب في عالم السياسة، غير متعارف عليه في أبجاديات الحراك السياسي المحلي ، قد يكثر تداوله في المجال الاقتصادي ومسائل التنمية و العمل الإنساني، والحقيقة يمكن إسقاط المصطلح على حياتنا السياسية التي أصباها فقرا سياسيا مدقع، فقد تحتاج لتنمية حقيقية ومراجعة فكرية متبصرة، ولتشخيص منطقي جريئ و متجرد سبب وصولنا لهذه المراحل من التعفن والتخلف الفكري، يجب الرجوع للأسباب، والبواعث… بداية أحزابنا بدل ما تشمر وتخدم نفسها بنفسها تنتظر التعيينات و التوشيحات و الترسيم و التعيين، أو موائد السلطان لعلها تعوض ما أفتقدته فى الشارع من حسها النضالي و حضورها الجماهيري، و ما أكثر هذا النوع فى خريطاتنا السياسية المحلية فوصل هذا الفقر السياسي إلى تحرك أحزابنا الفتية، ومجتمعنا المدني ليس دفاعا عن أفكار أو اقتراحا لبرامج تنتشل المواطن من ويلات الفقر و التهميش و المرض و الخنوع، أو تقديما لبرامج بديلة عن ماهو متعارف عليه من تقسيم للأسماك و التمور و الترهيب و الترغيب و المصادرة، بقدر ما كان يحركها هاجس التعيينات المرتقبة في مجلس من المجالس، أو وزارة من الوزارات و هو ما يلقي بظلاله علي نخبنا فمثلا الشباب الفاعلين في أحزاب الأغلبية لا تحركهم الرغبة في خدمة الوطن بقدرما يحركهم الجري وراء التعيينات و الإمتيازات مثلهم تماما من يوجدون في المنظمات و الجمعيات و الروابط و المجالس البحث عن التمويلات، وذلك في حد ذاته نوعا من الرشوة السياسية التي كانت وراء هذا الفقر السياسي الذي نعيش تجلياته و نتائجه، وانحطاط العمل الحزبي الذي يلغي بظلاله علي حراكنا الفكري..الفقر السياسي كان وراء اختفاء العديد من أحزاب المعارضة و الموالية، فأصبحت المعارضة الحقيقية غير موجودة أصلا و الموالاة مجرد شعار لحاجة في نفس يعقوب، وإن كانت فهي ظرفية، أو مجرد ديكور وهمي يراد به باطلا، أو لون لملأ المساحة لا غير و لا أكثر تظهر تارة و تختفي تارة أخري، وإن تحركت فتحركها عديم الجدوى و الأمثلة كثيرة فلا هي تستطيع تغيير سياسة ولا مؤازرة مظلوم و إطاحة حكومة، كما أنه من غرائب الحياة السياسية في موريتانيا، وكانت دافعا قويا لظهور هذا الفقر !!! أن بعض الأحزاب رجلها في المعارضة ورجلها الآخر في السلطة و ما الحوار الشامل عنا بالبعيد و ما تمخض عنه من مقاطعة راديكالية لأحزاب المنتدي و ما عاش من هدنة مع أحزاب الميثاق التي أصابها الاتخام السلطوي، مع الأمل في استرجاع بريقها النضالي، وتلك أمنية إبليس بدخول الجنة !!!.. فالهوية الحزبية والمنطلقات الفكرية مسحت في الذاكرة الصلبة للعديد من الاحزاب، كانت عاملا لانسداد الحياة الحزبية، مع تراجع النخب عن الإطلاع بدورها ، وتفشي ظاهرة التزوير، والتدليس، ولا مبالاة، الجماهير ساعدت في إرساء وتفشي الظاهرة حيث أن اي حزب لا يشعر برقابة مناضليه علي نهجه وقراراته لا يعتبر حزبا بل هو ملك شخصي لشخص أو قبيلة أو إدلوجيا تحركه كيف ماء شاءت حسب هواها !!
ومن عجائب الفقر السياسي فكر الزعامة أو نمط التفكير الحزبي المبني على “لا ترون إلا ما أرى” السائد في الخريطة السياسية حالا رغم إختلاف البعض في المصطلح ، بعيدا عن كل عمل مؤساستي جاد، بحكم الملهم وو .. فمنذ إرساء ديمقراطية الواجهة سنة 1992، بعض الوجوه ما زالت على رأس أحزابها إن لم تكن وراثية في بعض الحالات مثلهم مثل المنظمات و الجمعيات و الروابط المدنية، وذلك مؤشر على ضعف التجربة الحزبية و المدنية، وانعدام آليات التداول داخل الأحزاب بذاتها و المنظمات فما بالك بالسلطة، وضعف التركيبة القيادية، فحتى قوة الاقتراح الحزبي لدى مشاركتها في العديد من هياكل الدولة معدومة، أو غير موجودة فكل من يوجدون في مناصب حكومية من حزب الدولة مما يطرح إشكالية الإمتصاص، و تكون المشاركة محدودة أصلا. فالمشاركة أصبحت مقرونة بالمحاصصة وتقاسم الريع السلطوي دون شفقة، فكم من اقتراح تشريعي حزبي لا يوجد إلا في مخيلة واضعيه، وكم من مبادرة حزبية فضلت ركوب الموجة و التخلي عن مبادئها، وعدم معاكسة الرياح فأين مالت تميل، بحجة البرغماتية ومصالح الدعوة، والتوازنات، متخليتا عن عباءتها الحزبية ومنطلقاتها الفكرية بعيدا عن كل همها، ورزانة وعزة رؤيتها..!! الفقر السياسي أحجب على العديد من الأحزاب، أن تساهم كقوة خلق و ابتكار أو اقتراح، ويمكن إرجاع ذلك للمنظومة التشريعية الحالية التي تساعد على تهجين الحياة الحزبية، فكم من حزب غير موجود لا على الواقع ولا على مستوى الأفراد، وإن سألت العديد من الأفراد عنه قد يستغربون بوجوده أصلا.. فوجوده الوحيد من خلال ورقة الاعتماد أو لوحة المقر او مبادرات وهمية لا أساس لها، لمواجهة هذه الظاهرة بعض الأنظمة يفرض قوانين تلزم الأحزاب السياسية بالمشاركة في الإستحقاقات و بعد حساب النسبة تتخذ السلطة القرار في حق الحزب سحب الإعتراف أو تركه بعد حساب المعدل مما طرح إشكالية لأصحاب الدكاكين في ضرورة تنوع البضاعة كي يسلم الدكان من الغلق المنتظر بعد تفتيش "حماية المستهلك له" ، ولكن بدون جدوى لإنعدام عنصر الثقة بين الأحزاب و النظام و الخوف من تزوير الحقائق وعدم الإيمان بالخيارات الديمقراطية، والتداول على السلطة، وتقبل الآخر......وأخيرا الفقر السياسي أدى إلى مرض قصور النظر في العديد من القضايا الوطنية الكبري ، فلا حزب عمالي يضرب مع العمال !!، ولا الإسلاميون في تدنيس أحد أبعاد الشخصية الوطنية الجامعة و الروحية !!، ولا الوطنيون في الاستفزازات التي تأتي ما وراء البحار !!… ولا خريطة سياسية يمكن تصنيف على ضوئها أحزابنا حزب يساري يميني إسلامي....الخ ؛ فأصبح العمل السياسي في موريتانيا، على واقع (البوليتيك) أكثر من السياسة بأصولها علي الحجم الكبير من المعطيات هو ما ارغم بعض الاحزاب القومية الفقيرة تقوم بإستباق الأحداث و إبرام إتفاقيات و عقود شكلية وزواج متعة مع ما بات يعرف عند الانظمة بالخزان الإنتخابي القوي "لحراطين" و قد أستفادت هذه الاحزاب من درجة الوعي الكبير الذي لعبته الحركات الحقوقية الحرطانية عبر تشكل الدولة الموريتانية فالتحالف الشعبي التقدمي أستفاد من الخزان الإنتخابي لحركة الحر و جناحها السياسي حزب العمل من اجل التغيير عندما صادرته السلطات بسبب توجهه الإنعتاقي وجد حزبا قوميا ناصريا لا قاعدة لديه فتبناه و ماهي إلي سنوات و أصبح التحالف الشعبي احد أكبر الاحزاب السياسية حضورا في المشهد السياسي المحلي وقد قاد هذا الإتفاق إلي حدثين تاريخيين مهمين هجرة الزنوج بسبب موقف مسبق من القوميين العرب قاده "إبراهيما مختار صار" و قتل الجناح الحقوقي لتحالف وهو حركة الحر حيث أنقسمت بين متمسك بها و بين من يري ضرورة التخلي عنها مما عصف بأزمة في التحالف لازالت شظاياها المتطايرة تلغي بظلالها علي زعامات الحر و كان آخرها إختيار أعضاء المستقلة للإنتخابات ولازالت هناك أحداث أخري ستظهر خلال الإستحقاقات القادمة، و ما أن تمت تهدئة المد الإنعتاقي حتي ظهرت حركة إيرا الإنعتاقية فوجد شباب لحراطين أنفسهم أمام مدرسة نضالية متكاملة العناصر و التوجهات و أصبح الإنخراط عند بعضهم في الحركة موضة من أجل تعزيز سيرته النضالية (يمكن ذكر أسماء) أو ربط علاقات عاطفية أو الهجرة نحو الغرب بأية ذريعة من أجل المتعة علي حساب قضيته و البعض الآخر النضال في الحركة بنسبة له مصير مما خلق قاموس (الإنبطاح و التبعية و التملق) عند سدنة التدوين الشباب دون تحديد المفهوم، حتي أن بعض القياديين في الحر ألتحق بالحركة فاعلا أو مؤازرا من بعيد حتي لا يبرز في الخلاف القائم بين بيرام الداه أعبيدي و قياديين في الحر و التحالف رغم الهدنة مع نجدة العبيد بحكم الماضي المشترك، لم تكن الحركة الإنعتاقية حركة حقوقية بل كانت مدرسة تجديدية تنويرية أعادة تشكيل الخطاب الحقوقي و تكييفه مع متطلبات المرحلة و راجت محليا و دوليا ولم تسلم من المصادرة و محاولة ضربها في العمق تارة من طرف لحراطين أنفسهم و تارة من طرف البيظان و تارة من طرف الزنوج الذين يرون بروز إيرا علي حساب حركاتهم خطرا عليهم و ظل اليساريين يحجزون مقعدهم في تحركات الحركة بسبب غياب إطار جامع لهم رغم التحفظ منهم، لكن أيرا أعتبرت نفسها شوكة في حلق الإقطاعية، و عاشت الحركة فترات إزدهار و أنحطاط ولم تسلم من التخوين، اليوم بعد عشر سنوات من النضال و الصمود و الكد و الجد و الجمع و التهذيب و صياغة شعارات النضال و بعث روح الإنعتاقية في من خذلتهم الحركات فأرتموا في أحضان رجل قوي عارف بأسرار اللعبة و يتميز بنفس طويل و مستوي فكري ممتاز، وبعد خضوع القوميين العرب "البعثيين" لحصة غذائية أثبتت أنهم في حالة سوء غذائي حاد يتطلب حصص تغذية مكثفة مما يتطلب مغالطة"أمباركة، بلال، دمب و ميسارة" و التخلي عن جزء من النضال المهم الذي رسمته زغاريد و أتبربير ورحلات السجون و المصادرة التي عاشها شعب لحراطين العظيم وسط سكوت مذهل من أحزاب بما فيهم الصواب المبجل، هاهي حركة إيرا تتعرض لماگنتين ماگينة المد القومي الذي يسوق الإتفاق علي أنه أحتضان لشواذ سوف يفجرون المجتمع و لديهم خطورة علي المد القومي العروبي وهو ما ثبت عكسه فحركة إيرا كان بإمكانها أن تكون حاضنة للقضايا العرقية الكبري و الدولة رغم تعنتها ملزمة بالإصغاء لخطابها الحقوقي وهو ما نجحت فيه من خلال إستحداث محاكم وسن قوانين و الإستماع لأصحاب المظالم و تنظيف الصورة الحقوقية الدولية و أحتضان من لا حاضنة له ومؤازرة الضحيا و الفوز بملفات ، و ماكينة المد الزنجي الذي تنكر لسنوات التبني و المناصرة، و إن كانت إيرا تصوم سنة و تفطر علي أجرادة فذلك جانب آخر كان بإمكانها الترشح و الفوز دون صجيج وفتح حوار مع السلطة يأتي بتفاهمات علنية ولا أحد يمكن أن يزايد علي الحركة عندما تختار الهدنة مقابل الحصول علي ما تستحقه في وطن جامع يجب أن يستفيد منه جميع أبنائه كان تفاوض أيرا يمكن ان ينبني علي الإعتراف بها و ترخيص حزبها السياسي و الإفراج عن سجنائها ومشاركتها في رسم معالم موريتانيا موحدة