ليلة واحدة قبيل عيد الاستقلال (الاستغلال) رن هاتفي الخلوي وكانت مفاجئة من العيار الثقيل انه الصديق والأخ بالقربى وابن العم بالجار، صديق الدرب علـي سيسي عبد المجيد زميل الطفولة حيث عشنا الصبا في مدينتا الوديعة تلك القرية ذات الغابات الخلابة والأودية المنهمرة ( بغداد) علي ضفاف نهر التيرنكا( tairanga ) إذ تبعد 16 ميلا جنوب شرق مدينة روسو قبالة مدينة ردشارد تول Richard Tolle" أي مزرعة ردشارد بلغة الأخوة الزنوج ، ففي هذه المدينة ذات حدائق البابلية أهدرنا شطحات الطفولة ومغارات الفتيان نوازل ونوافل فكانت هوايتنا طيلة ثلاثة أشهر من العطلة الصيفية هي الحل والترحال في القـري والبوادي والفيافي السنغالية حيث إخوة الدين وشذرات النسب وقيافة القربي، فقد شاءت الأقدار أن نجيب دولة التيرنكا طولا وعرضا إذ يتحدث تؤم نفسي لغة البمنباري والسونكي والهـوسة بينما أتحدث أنا لغة الولوف والتكلور وسرير ولا غروة إذا ما كانت رحلاتنا تفوق رحالات ابن بطوطة تعدادا وعددا من المبالغة مثلا لا الحصر.
إن مأساة تؤمي في أحداث 89 بمثابة الصاعقة إذ تم استهداف أسرته ليلا يوم 27 نوفمبر ليتم إجلائهم غدرا إلي السنغال وفي يوم الحادثة أصيب بسبات عقلي لان تؤمني بقي معي فذهبت الأم الحانون تستفسر الأمر فوجدت الناس يعبثون بأثاث منزلهم حينئذ أنقشع غبار الطيش والغدر يوم واحد قبل الاستقلال كنا في حفلة تكريم بمناسبة نجاحنا في مسابقة دخول السنة الأولي إعدادية سنة 1989 إذ نجح هو من مدرسة تكوين المعلمين النموذجية في روسو ونجحت أنا من المدرسة روسو1 أرغمتنا الأم الحنون أطال الله عمرها علي تناول الفطور والتؤم تسيل الدموع من مقلتيه علي خده فتحول الفرح إلي أسي وحزن أخليت معه في الغرفة المجاورة من اجل التخفيف من أحزانه فقلت له ستصل إلي والديك مهما كلف الثمن حتى وان كلفني روحي إنني اعرف مغارات وأغوار بغداد ومسالك كهوف غاباتها من مشروع أهل الشيكر ومشرع سيدي أعمر وغابات حقائق فاطم الركبية ومزارع الشلحي ومخابئ تهريب عالي بسكيت وهارون حينئذ ارتسمت علي وجه زميلي البهجة واعدت له زاده وحزمت أمتعته التي سيرحل بها كانت الأخبار تردنا من إذاعة بريطانيا (بي بي سي) فيما تواكب إذاعة فرنسا أماكن تواجد المرحلين من موريتانيا في قري وأماكن متاخمة لمدينة ردشارد تول .
مآسي الزنوج ثلاث ليالي عدونا الأم بعدم الميت في المنزل حتى لا تلاحظ شيء عندما نغادر مدينة روسو باتجاه بغداد في اليوم الرابع كان الله في عوننا إذ أرسلت العمة تنـدوم تغمدها الله برحمته رسولا عاجلا إلي الوالدة تخبرها بان الخالدة مريضة فقلت للام دعي الأمر لي سأذهب أنا وصديقي علي سيسي وسف أتيك بها بعد ثلاثة أيام إذا لم تتعافي فوافقت ، فضممت إلي صديقي فرحة باغتنام الفرصة لأصله إلي أهله فدخلنا المنزل واعددنا حقيبته بكل حرية ودون تخفي عن الوالدة وتوجهنا تلقاء بغداد وصلنا قرابة 14 زوالا وجئنا إلي منزل الجد بلال بابو وبدأت أساله عن أحوال القرية بعد الأحداث فاخبرني أن السكان بدؤوا يهجرونها فسألته عن جزيرة " دنب dinba " وعن النشاط فيها فاخبرني أن بقر الفـلان يرعي فيها فسألته عن أي الفـلان فقال أظن أنهم فلان توليToullé وأكويبين Goiybinaرفعت أصبع السباب لزميل تعبيرا عن الفرح خوفا من أن يلاحظ الجد شيئا بعد صلاة المغرب أخبرت الجد أنني ذاهب إلي قرية كر ماديكي keur madiké إذ يجب تنفيذ الحطة قبل انقضي الليالي الثلاثة وإلا فان الوالدة قادمة لا محالة خرجنا اتجاه الغرب من القرية ثم توجهنا شمال شرق جهة مشروع أهل الشيكر المقابل لجزيرة dinba إذ بعد صلاة المغرب تنشط الحياة في ردشارد تول لان البقر يعود من غابة جزيرة dinba خوفا من الباعوض أخذنا معنا خنشة وضعنا فيها حقيبته وملأناها من الربيع حتى لا نلفت الانتباه وفي حدود الثامنة اجتزنا النهر ووصلنا إلي قرية انخما N’khoma السنغالية ثم فقضينا الليلة مع صديق لنا وأخبرناه أننا قادمون من عند صديقنا سليمان في دكانا Dagana الذي يسكن في الكض وقد فضلنا أن نستحم في النهر ونقضي معه ليلتنا حتى لا يلاحظ أن ثيابنا مبللة ، قضينا ليلة ممتعة نتناول فيها أطراف الحديث وشطحات الصبا.
في الصباح الباكر أخذنا عربة ركاب " وتير" وذهبنا نبحث في مخيمات المرحلين إلي السنغال فقد كانت الخطة أن يخبر والديه انه جاء مرحلا من بعدهم حتى لا ينكشف أمرنا فصرت أراقبه عن بعد حتى عثر علي والدته وكانت الفاجعة اكبر حيث أصيبت بإغماء ونقلت إلي مركز صحي أقيم في المخيم في حدود 12 ظهرا استفاقت الأم وعادت إلي المنزل وأنا أراقب الوضع عن بعيد فهمس الصديق في أذن أخته فبصرتها تجوب شاردة البصر فاختفيت عنها علي بعد أمتار ثم اختفيت عنها ولم تجدني وبعيد برهة عاد هو يبحث فأخبرته أنني سوف أغادر المخيم قبل أن ينكشف الأمر وسوف اقضي يومي مع زميلنا في انخما N’khoma لأعود أدراجي بعد صلاة المغرب رافقني إلي أن وصلت المرآب ومقلتيه تقطر دمعا وكتب حروف هجائية لزملائه في الإعدادية يخبرهم بوصوله سالما إلي ذويه، فقضيت يومي هناك في حي N’khoma وأهديت صاحي ملابسي التي كنت ارتدي وأخذت عنده ثيابي التي أسبح بها وبعد صلاة المغرب طلبت من صديقي آن يرافقني وسرت به نحو الغابة وهو يسألني أين تتجه عند ضفتي النهر أخبرته القصة وطلبت منه مساعدة صديقه سيسي علي وزيارته في المخيم فدخلت نهر وسبحت حتى الغابة التي أخليت من الرعاة بسبب الباعوض ثم سبحت الجانب الأخر من النهر فوصلت مشرع سيدي أعمر وغيرت ثيابي وزرت الخالة والعمة تنـدوم ثم واصلت مسيري إلي مدينة روسو وفي حدود منتصف الليل دخلت المنزل وأخبرت الوالدة أن الخالة قادمة غدا من بغداد ومقيمة في روسو و في الصباح فإذا بعربة الجد أمام المنزل تحمل الأمتعة بعد السلام وتناول الشاي قالت الأم يجب أن توقظ زميلك علي سيسي فقلت لها إن زميلي وصل إلي أهله ولله الحمد وهذه رسالة منه إلي زملائه فقد أنهيت مأساتيه.
فقال الجد وصل إلي أهله وهو جاء معك إلي بغداد والحدود مغلقة والجنود منتشرين في كل مكان فقلت يا جدي إن الرجال تفكر بالعقول وهي ليست حكرا علي أشخاص فكلما فكر شخص في الإحكام وضغط الزندان علي زمام الأمور فكر آخرين في فك الحصار و تفكيك كل الحواجز والأقفال فقد أوصلته كما تعهدت له دون أن يكلفني جرأة قلم ، بعيد سنين تغيرت الأحوال وتبدلت الأحكام فكان القدر يخبئ له أشياء إذ ظل طوال مراحله الدراسية في المدارس العربية السنغالية حتى حصل علي شهادة الباكلوريا ليحصل علي منحة في السعودية وبعد الإجازة من طرف احدي الجامعات السعودية أصبح مكلفا من طرف الهيئات الدينية السعودية بالإشراف علي تشيد وبناء المحاظر والمساجد في القرى والمدن السنغالية في سنة 99 اتصل بي عبر الهاتف الثابت وطلب مني أن ابعث له بجواز سفري لأزوره في السعودية علي حسابه اعتذرت له بان الوالدة قد بلغت لله الحمد من الكبر عتيا ولا يمكنني مغادرتها بأي حال من الأحوال مهما كانت جسامة الوحشة والغربة بيننا، وفي سنة 2008 زرت السنغال بلدي الثاني وبالصدفة كانت سنة قدومه ليقرر الاستقرار في السنغال فالتقينا وقمنا بزيارة لكل القرى والمدن السنغالية التي سوف تستفيد من المساجد والمحاظر من طرف الهيئات الخيرية التي يعمل معها فإذا بنا نعيد أدراج الصبا دون أن تلقي لذاك انتباه وفي عيد الاستغلال كانت المفاجئة من العيار الثقيل علي سيسي عبد المجيد في موريتانيا لمآزرة الأخوة الزنوج بمناسبة عيد ظل بالأمس القريب نبراس اللحمة والتآخي بين أخوة الدين والوطن ولولا قرابين الوشاة أبناء القردة والخنازير وعبدة الدراهم الذين حكموا البلاد وشردوا العباد وحالوه إلي عيد حداد ونواح فقد ذبحوا ألف جندي من الزنوج إلا خمسين وتقربوا ب 28 نقيبا وجنديا .
قضينا ليلة مليئة بذكريات ماسي الماضي وفي الصباح توجهنا إلي الميناء فطلب مني الرأي في مداخلته وعن اقتراحي حول الموضوع الذي سيتناوله ، فقلت له قل أن ضحايا إنال ثلاث مائة جنديا قال ولما ؟ قلت له لتستمده من القرآن وتجعلهم من أصحاب الكهف ! قال وعن الأرامل؟ قلت له فلتتوعد لهم بإنشاء بنوك للأرواح وصكوكا للغفران ! قال وعن الأيتام ؟ فقلت بشرهم بمساعدات حينما يبلغوا الحلم وعن بيع كل المدارس حتى يكونون قطاع طرق مثل رجال المقاومة الأبطال ! قال عن أقارب الضحايا ؟ فقلت فتوعدهم بالصلاة الحاضر ومنعهم من الإحصاء ! وقال وعن عيد الاستقلال؟ فقلت قل انه عيد ذو وجهين مثل عملتنا فرنسي هيبة وفرحة ونشيد والأخر وجه بربري إعرابي وحشي فيه نواح وحداد! فقال وعن الناجي من إنال ومحاولات الانقلاب؟ فقلت ساعدهم علي الموت إذا يئست منهم وصنفهم من حركة أفلام! وقال عن الحقوقيين ؟ فقلت قل أنهم مثل الجنود يريد النظام قتلهم في السجون علي سجية نقاد وكتاب الزنوج في ولاته حينما رفضوا الولاء لطغاة الانقلاب وحماة الجيوش من أواش وفلول مولاي إدريس! فقال وعن الحلول؟ فقلت عليهم أن يختاروا من أشرافهم 12 جلا أي رجل من كل ولاية ويجابهون خفاشيش النظام آنسة برجال مقاومتنا ملائكي التصرف والقتال فلا محالة سيدحرون أزلام الفساد ويخلدون اليوم الذي خرجوا فيه من هيمنة الاستغلال من طرف دوم نار .
في طريقنا إلي الميناء اخبرنا من طرف قادة حزب صار عن عدم ترخيص الندوة فسألني هل أعددت ورقة حول الموضوع مثل كل الضيوف الكرام ؟ فأجبته لا ضير فقد تعودت من شريحتي علي قبول الحرمان منذ مؤتمر ألاك! فقال وما علاقة ألاك بالاستقلال ؟ فقلت أخ شقيق لإنال من حيث التهميش والقتل والحرمان؟ فقال لي بعجرفة متحيرا أتمزح؟! فلت لا ، فقال فقد قتلتم مثلنا ومتى كان ذا؟ فقلت منذ زمان وأعوام في عهد "لاستغلال" وعبودية الدين والجار! فقال أفصح يا صديق الدرب والصبا ؟ فقلت في علمي 70 سبعون ما بين عبد وخدام في سهول بطحة تكانت زعم البرابرة أنهم تقيؤا السحر والسل جهارا نهار! فقال هلك شاهد أو بيان ؟ فقلت هي حقائق مدونة في كتابكم المختار" الكفاف" وعلق عليها الدسوقي والحطاب ولم يستنكرها ايمة البرابرة من البيظان والزنوج الذين كانوا صمام أمان لتمرير خطاب العنصرية من إخوانهم دوم نار وتكميم أفواههم في اتفاقيات الروم وناجي هزائم التتار! فقال هل خلدت أسماء ضحاياكم ضمن منشورات وصحف النظام في ما قاسيت من ظلم وإبادة ونسيان؟ فقلت فهل تري أن لعيـدان ثقاب دور بعد أن تقد النار لتعد رغيف خبزك وتشرب الشاي!! إذ تدفع رؤوسها في قاع التراب حتى يجوع أصحاب كعكعة الاستغلال في ألاك 1958 ثم يتذكرون دور العيدان لتقد النار و يجـز دوم نار بالمكورة في قعر النار ويرمهم أشلاء في أعماق البحار ويعيشا أزمة خلاف دامس بعد اتفاق ألاك !!!.
دخلانا المنزل وصاحي غير مرتاح البال يردد ليتني لم احضر لتخليد ذكري ماسي الاستغلال الزنوج و حراطين دوم نار!!؟ فقلت ما عليك لوم يا اعز زملائي فالعار ليس في تخليد ماسي عيد الاستقلال بل في عدم مواساة أوجاع حراطين دوم نار منذ زمان حتى دارت عليكم آفات الزمان من قتل الأنفس والحرمان وإقصى!! فقال تمهل يا تؤم نفسي لعنة تاريخ دارت علينا بسبب عدم تذكر ذكري بطلات وأمجاد شريحة خدمت الوطن بالدماء وحمل العار وناضلت بالعيش والزرع وقتل كبار الغزاة العاتيين جهارا نهار وصانت أعراض قوم عرفوا بالإساءة إلي دول الجوار وقطع الطريق أمام كل قافلة ووافد الصحاري والقفار!!! غادر وهو ينوي أن لا يعود لتخليد مآسي عيد الاستقلال ويصب اللعنة علي مؤتمر ألاك.
الأستاذ: محمد ورزك محمود الرازكـه