في كل مرةٍ من المرَّات وفي كل ساعة من الساعات ودِدتُ لو أني أرى فيها مشهدا وطنيا يجسد لي على أرض الواقع روح الوحدة الوطنية سائدة و راسخـة بين مختلف أطياف هذا الشعب الكريم المتسامح و الخَلُوق ، ودِدت لو اني أرى العدالة و المساوات ماثلتان في كل قطب من أقطاب هذا الوطن الحبيب ، ودِدتُ لو أني أرى كلَّ الشرائح المُكَوِّنة لهذه الدولة الموريتانية سَواسِيَّةٌ أمام القانون ، و دِدت لو أني أرى لوحةً وطنيةً خاليةً من تلك الفوارق الإجتماعية وتلك الصُّور التي لا تمُت لِلُّحمة الوطنية بأية صلة وددت ... ودِدت و لكن بدون جدوى ؛ إذ أرى نقيض ما أتمنى تماما للأسف. إنه لا يخفى على أحد اليوم ما تشهده هذه الدولة الموريتانية من فوارق إجتماعية و ممارسات عنصرية تكاد تصل ذروة الخطر إن لم تحظَ بمحاربة جدية من لدن القائمين على الشأن العام للدولة و ذَوُوا النُهى فيها . الأمرُ الذي يَكاد يُولد نوع من الكراهية إن لم نقل الحِقد لدى بعض الشرائح المهمشة ضد أخرى ؛ وهذا و لاشك أنه مهدّدٌ ومُدمِّر لِلُّحمة الوطنية وساحِقٌ لها ؛ قد يقول قائل : وماذا لو تَفَكَكت الوحدة الوطنية أوليس أمر عادي ؟ إجابة ً مني على هذا التساؤل أقول من أراد أن يعرف مدى قيمة الوحدة الوطنية و أهميتها فالينظر إلى الدول التي اجتاحها ما يسمى بالربيع العربي لعلها أقرب مثال حي على ما أقول فعندما تفككت اللحمة الوطنية التي كانت تجمعهم و تربطهم من قبل لم يعد لأحدٍ منهم أمنٌ ولو كان في قعر داره و انْهارَ اقتصادهم و دُمرتْ مُنشآتُهم ليس هذا فحسب بل و أكثر ناهيك عن فقدهِم أرواحَهم ... أخي القارئ أختي القارئة إن السكوت عن الحديث في هذا المجال وعدم الخوض فيه ليس هو الذي يَحُل المشكلة ، كما أن تضليل الرأي العام إزاء هذه القضية ولَبسِ الأمور لهم وتزييفها ليس هو الذي يحُلُّ القضية أيضا لا وكلا. بل يزيدها إشكالا و تعقيدا و إنما المصارحة و كشف الغموض هو الذي من شأنه أن يُخفف من وطأة هذه المشكلة و يُزيلَ هذا المُعضل . أتذكر خطوات من الدولة خَطتها في هذا الصَّدد و لكنها و للأسف كانت خُطوات خجولة و يائسة لأنها ما أُريدَ لها النجاح أصلا و بالتالي ما أُسِّسَ على باطل فهو باطل ؛ سأذكر هنا مشهدا حدث في قصر المؤتمرات هنا في انواكشوط يتعلق بالموضوع و هو الوحدة الوطنية حيث أقامت الدولة فيه حينها مهرجانا و دَعَت إليه مختلف الشرائح الوطنية و قُدمت فيه محاضرة أو مداخلات وفي نهاية الحفل قاموا بتشبيك أياديهم مع بعضهم البعض البيظاني يمسك بالحرطاني والحرطاني يمسك بالفلاني او الغير فلاني و بين الفلاني و الحرطاني يوجد بيظاني وهكذا . زاعمة بهذا أن الوحدة الوطنية قائمة و سائدة و أن كل ما يُسمع و كل ما يُكتَب و يُتداول ما هو إلا مزايدات و مغالطات . من هنا أقول فعلا تلك الصورة كانت لوحة وطنية لأنها ضمت مختلف الشرائح ولكنها كانت حقٌّ أُريدَ به باطل . حسب و جهة نظري أقول بأن هذا أمر خطير و لا يزيد الطين إلا بَلَّة بل يوحي بأن الدولة متمادية في ما تفعل من تذليل و تهميش للشرائح الضعيفة وكأنها تقول بلسان حالها للعالم أنظرو إلى الشعب الموريتاني هاهُوَّ متماسك ومتآخي . لكن هذا زور و بُهتان ؛ لأن الوحدة الوطنية والمساوات ليست صورة تبثها التلفزة الموريتانية على شاشتها و لا هي كلمات يقرأُها صحافتها ؛ لا إن الوحدة الوطنية و المساوات هي واقع وإحساس مُعاش عندما أكون أنا و أنت سواسية أمام القانون بغض النظر عن أعراقنا و ألواننا عند ما أكون أنا وأنت بإمكاننا نيل جميع حقوقنا كاملة مصانة دون التمييز بيننا على أساس عرق أولون حينها يمكن أن تتكلم عن الوحدة الوطنية وعن المساوات والعدالة إلخ وتوجد فينا الآن عادات و مسلكيات كُثر التي صارت مألوفة عندنا والتي لا تتماشى ودولة المساوات و العدالة إن لم نقل و دولة الإسلام. ان المتتبع للحالة السيسيولجية للمجتمع يدرك بلا شك مدى اتساع الفُوهة بين شرائح هذا المجتمع فالبيظان مجتمع لِوحدهم و الزنوج مجتمع وحدهم و كذا الحراطين مجتمع وحدهم أيضا لا هؤلاء يُخالطون أؤلائك و لا ؤلئك يُخالطون هؤلاء سواء في مناسبات الأفراح و الأحزان إلا ما نَـدُر وهذا ماثل للعيان من لا يراه كمن قال بأنه لا يرى السماء وبالتالي نرُدُّ عليه بالمثل الحساني الذي يقول ( إلِّ مــَا شَافْ اسْمَ لاَ اتَنَعْتُولُ) أي مَن لَم يَرى السماء لا تُريهِ إيّاها . إذا أرى بأنه يتوجب على الدولة الموريتانية اليوم و ليس غدا إماطة اللثــام و استدراك ما أمكَن استدراكه و إنقاذ ما أمكن إنقاذه و انتشالنا من هذا المأزق والمسار الخطير الذي نتجه صوبَه قبل أن تخرج الأمور السيطرة فننزلق إلى ما لا تُحمد عقباه ؛ وذالك بمشاركة جميع القوى الحية في هذا البلد و طرح جميع الأمور على الطاولة ومناقشتها بجد وإخلاص إن كنَّا حقّاً تسعى إلى دولة قانون ذات شعب متماسك و متآخي .