كثر الحديث منذ مدة عن خلاف متفاقم بين الوزير الأول المهندس يحيى ولد حدمين وسلفه الوزير الأمين العام الحالي لرئاسة الجمهورية الدكتور مولاي ولد محمد لغظف، فيما لقبه البعض بصراع الأجنحة
ولكوني من المتطلعين على خفايا الأحداث وواكبت مسيرة الرجلين، فأنا على يقين بأن لا وجه للمقارنة بينهما، لا زمنيا ولا عمليا ولا كاريزميا.
فالدكتور مولاي ولد محمد لغظف تكنوقراطي هادئ، ودبلوماسي مرن لا تفارق الابتسامة محياه، ظهر أول ما ظهر مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز وربط مستقبله بمستقبل نظامه، بينما المهندس يحيى ولد حدمين سياسي حربائي كانت بداياته منذ جحافل ولد الطايع، مخبر سابق، وصدامي بطبعه.
وحتى لا يكون الحكم جزافيا سأضع نقاط الوزيرين على حروفها، وأعتذر عن افتقار الموضوع للمجاملة.
بدأ الدكتور مولاي ولد محمد لغظف علاقته بالشارع الموريتاني كوزير أول بعد انقلاب عسكري أدار حكومته التي عانت الأمرين من فرط الضغوط الدولية والمحلية التي مورست عليها، والتي كان أكثر المتفائلين تفاؤلا يرى أنها لن تخرج منها إلا بإعادة السلطة للرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لكن كفاءة الرجل ودبلوماسيته العميقة وعلاقاته الدولية الواسعة كانت كفيلة بإقناع الأوروبيين بالدخول في مشاورات مع النظام قادت لاحقا إلى حوار داكار الذي تمخض عنه اتفاق بين أطراف الأزمة تمثل في انتخابات رئاسية مبكرة.
انتقلت حكومة ولد محمد لغظف من الأزمة الانقلابية بصعوبة كبيرة إلى المرحلة الانتقالية، ليدير الدكتور حكومة مشكلة من عدة أطراف سياسية لا تجمعها رؤية موحدة، ونجح في اجتياز المرحلة بجدارة وامتياز، ولم تسجل المعارضة الموريتانية حينها أي ملاحظات على رئاسة الحكومة.
أعيدت الثقة في الدكتور مولاي ولد محمد لغظف مرة أخرى وشرعت حكومته في تنفيذ سياسة الدولة الرامية إلى تخفيف حدة معاناة الفقراء من خلال برنامج أمل، ودمج الشباب العاطلين عن العمل في الحياة الاقتصادية للبلد عبر إنشاء وكالة لدمج وتشغيل الشباب، والعمل على تطوير البنية التحتية للبلد بتوفير الطرق والمدارس والمستشفيات وخلق فرص العمل من خلال جلب ودعم الاستثمار الأجنبي في موريتانيا.
فرضت الظرفية المحلية والدولية بعد تفاقم الخلافات السياسية مع المعارضة على النظام الموريتاني أن يفتح باب الحوار، وكانت منسقية المعارضة حينها تضم أقوى الشخصيات السياسية في البلد، ورغم تماسكها نجح الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف في استمالة بعض ركائزها إلى الدخول في حوار مع السلطة، كان من بين نتائجه منع الترحال السياسي وتطبيق نظام النسبية الانتخابية ودمج المرأة في الحياة السياسية كشريك قوي للرجل في بناء موريتانيا.
لم تمضي فترة طويلة على اشتعال نار الربيع العربي التي خرجت منها حكومة ولد محمد لغظف مرفوعة الرأس حتى أصيب الرئيس محمد ولد عبد العزيز بطلق ناري استدعى غيابه عن إدارة البلد لمدة طويلة حبس خلالها الشارع الموريتاني أنفاسه، كانت فترة عصيبة على رئيس الحكومة الذي بات بحكم منصبه المسؤول الأول عن البلد في مرحلة شديدة التعقيد، كثر فيها المتربصون بالحكم وسرت فيها إشاعات بعجز الرئيس عن العودة لإدارة البلد، ورغم صعوبتها وتعقيدها استطاع الدكتور مولاي ولد محمد لغظف التعامل مع الأزمة بمرونة وسلاسة لحين عودة الرئيس من رحلته الاستشفائية.
تتالت الأحداث دون أن يفقد الرجل بريق حضوره السياسي، وأدار انتخابات ما بعد الحوار الوطني الناجح من تشريعيات وبلديات إلى رئاسيات 2014، ليسلم رئاسة الحكومة لخلفه المهندس يحيى ولد حدمين.
نهاية مأمورية تكللت بالنجاح، ودفعت بزعماء المعارضة إلى الحضور بشكل رسمي لتوديع الدكتور مولاي ولد محمد لغظف في بيته، وهي سابقة في تاريخ السياسة الموريتانية.
تسلم المهندس يحيى ولد حدمين مهامه كوزير أول لدولة خطت خطوات مهمة على طريق التقدم والنماء، وكان المنتظر منه الحفاظ على إنجازات سلفه والعمل على تطويرها، لكن رياح ولد حدمين أتت بما لا تشتهيه سفن الشارع الموريتاني، فكان التنقيص من إنجازات الدكتور الشغل الشاغل للمهندس، بدء بتشريد عائلات عمال مشروع أمل وليس انتهاء بإفراغ البرنامج من محتواه.
ولم يمضي أكثر من شهرين على تسلمه لمهامه حتى تحولت الإدارة الموريتانية من مؤتمن على مصالح الشعب إلى مختبر لصراع الولاءات من طرف واحد، إذ وسوس لولد حدمين شياطينه من الإنس أن سلفه يسعى للإطاحة به وهو ما تكذبه الوقائع بحكم أن الدكتور رجل تكنوقراطي لا يهتم للسياسة المحلية ولا للمنصب بقدر ما يهتم لإنجاح النظام الذي ربط نفسه ومستقبله به.
ولأن الحفاظ على المنصب من وجهة نظر ولد حدمين وأسوأ مستشارين تم اكتتابهم في الوزارة الأولى عبر تاريخ البلد يقتضي التنازل عن أي شيء فقد تحول المهندس من وزير أول مكلف بإدارة الحكومة إلى ( بشمركي) يدير مواقع صحفية الكترونية (أطلس انفو- الوئام الوطني- الوسط الإخباري- زهرة شنقيط) كل همها وشغلها العمل على تشويه صورة الوزير الأول السابق الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية الحالي، وتلميع صورة المهندس يحيى ولد حدمين، بجمل إنشائية لا تعني للواقف على حقيقة الأمور والعارف بخفاياها أي شيء .
عموما لا وجود صراع أجنحة داخل الحكومة الموريتانية، بل يوجد صراع نفسي بين الوزير الأول وعقدة البقاء في المنصب الوزاري الأول.
وإن استمر المهندس على هذا المنوال فسيغادر الوزارة الأولى دون مودع.
لمات ولد يعبد ولد عبدات