عندما تتمرد الذاكرة داخل كاني المتمرد بطبعه على كل التقاليد البالية في مجتمعي العزيز رغم أفكاره المتحجرة التي كثرا ما أتحفوني بنصائح كرروها على أذني حتى أصبحت جزءا من مسلماتهم التي أقنعوا بها مجتمعا فأفسدوا وأساءوا إلى كيان دولة ولدت من رحم السيبة..
كنت وأنا الصغير الخارج على نمط التعايش في مجتمع الطبقية هذا أراجع نفسي كثيرا عندما أشاهد ذلك التمايز وتلك النظرة الدونية التي يواجه بها جزء من شعب توارث تقاليد مشتركة، وجمعته أرض واحدة ومن الله عليه بوحدة المعتقد، كثيرا ما واجهت مقولاتهم تلك بالرفض عندما ينصحوني بعباراتهم الغريبة، (عندما يتماس اجلود يدكاد اجدود!!! خلوه يكبظ صاحب!!!، كل جنس مع جنسه...)، في بعض الأحيان أنظر كثيرا وأفكر تفكيرا أكبر من سني وربما لا زلت عاجزا حتى الآن عن سبب تفكيري بتلك الطريقة خارج إطار مجتمع لا يفهم إلا تقاليد تعلوا في أحايين كثيرة على ما يمليه الدين الحنيف من تعاليمه السمحة..
عندما أنظر أبناء الأرقاء وهم يجوبون الفيافي وراء قطعان الغنم، والإبل، والبقر، مكانهم هو ذلك في نظر مجتمعي، تماما كما يتخصص آباؤهم في الوقوف على الآبار لسقي الغنم.. في مجهود عضلي شاق ومحزن ومؤرق لكل ذي ضمير حي...، في الحي سيدة تقف لأداء الخدمة المنزلية..، كل هذا يكون مقابل راتب شهري في أغلب الأحيان، لكن لماذا كل ذلك؟ لماذا تلك النظرة الدونية؟
أنظر من زاوية أخرى أشاهد صانعا تقليديا دأب على تقديم خدماته لمجتمع يحتقره تماما كما يفعل للأرقاء، ينتظر منه تقديم خدماته الجليلة، ويقولون: إربط كدحان الناس...
خرجت على تلك المسلمات وكانت صداقات طفولتي مع أبناء الأرقاء والصناع التقليديين جالسهم منذ الصغر وأحسست معاناتهم، وكثيرا ما نظر إلي باستغراب ووجهت إلي الملامة..، أكثر شيء كان محيرا لي وكثيرا ما حاورت فيه نفسي، كيف لهؤلاء أن يقبلوا بواقعهم ذلك الذي رسم في بلاد سيبة لا تحترم إلا تقاليد بالية..
لذلك لم أجد كثير عناء في اقتناعي عندما بدأت أستمع إلى الآراء المختلفة، في الدفاع عن حق لحراطين وغيرهم من المهمشين في الدفاع عن حقوقهم، وعندما أستمع إلى أغانيهم وفلكلورهم الشعبي الرائع أطرب كثيرا عندما يغون للحرية الجميلة التي تحرك الوجدان وتعطي للحياة معنى مختلفا لذلك تطربني كثيرا أغنية امجمبرين....، حق لكم اجمبير، وحق لكم التعليم والصحة ولكم كامل الحق في هذه الدولة...، كثيرا ما تفهمت مطالب لحراطين حتى ولو كانت بلغة شديدة لأن النظرة الدونية والمعاملة السيئة والظلم التاريخي يولدان دون شك ردات فعل متشددة، لكن هل ثمة من يعي الرسالة على بساطتها ياسادة الرأي والفكر والسلطة من أبناء جلدتي في بلد العزيز..
أجمل تحية لك مجبرٍ يريد حقوقه العادلة ويسعى إلى بناء دولة القانون، ويرسم الحرية بلون الورد الأحمر...
الحرية لبيرام ورفاقه في الحركة الإنعتاقية...