لا مراء في أن إعلان تأسيس الشركة الموريتانية لمنتجات الألبان هو أهم بشرى يزفها الرئيس _ خلال زيارته المرتقبة_ لساكنة الحوض الشرقي بصفة عامة ولمدينة النعمة على وجه الخصوص.
إن هذه المنشأة الصناعية والتي طال انتظارها يُعلق عليها الكثير من الآمال لا على المستوي الجهوري فحسب ، وإنما علي المستوي الوطني بصفة عامة.
فالمشروع هو الأول من نوعه في تلك الولاية التي تعتبر الحاضن الأكبر للثروة الحيوانية في موريتانيا ، ويؤمل منه أن يكون بداية لعصرنة مكونة أساسية من اقتصادنا الوطني ظلت حبيسة الأساليب البدائية حتى الساعة ، وهو ما جعل مردود ثروتنا الحيوانية بلا قيمة مضافة ، الأمر الذي ساهم كثيرا في حالة التخلف التي تعرفها تلك الجهة من الوطن، وهو ماسبب حالة شلل نصفي للمجموعة الوطنية.
وعلي المستوي الوطني سيسهم هذا المصنع في الحد من استيراد الألبان ومنتجاتها من خلال توفير منتج محلي منافس ، يلبي رغبات المستهلك الوطني ، وينعكس إيجابا علي ميزاننا التجاري، زد علي ذلك آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي سيخلقها المشروع، فهل يا تري سيتم اتخاذ الاحتياطات الضرورية من اجل إنجاح أول تجربة صناعية في الحوض الشرقي تستحق أن نفخر بها ؟
إن أية عملية صناعية لابد لها من مد خلاة وعوامل إنتاج ( يد عاملة، طاقة...الخ) وسوق، ومصنع النعمة ليس بدعا من المصانع ، لذا ينبغي التركيز علي أولا :
الثروة الحيوانية :
هي بيت القصيد في هذا المشروع فبدون هذه الثروة لا معني لتلك المنشأة الصناعية أصلا ، لذلك لابد من الاهتمام بها - خاصة فى هذه العام - و يتم ذلك عبر تدابير عاجلة وخطط آجلة علي المد يبن القصير والمتوسط.
أما التدابير اللازم اتخاذها فورا فتتمثل في توفير عاجل للأعلاف والأدوية البيطرية الضرورية لمواجهة الأوبئة والأمراض المحتملة ، تفاديا لحصول كارثة وشيكة باتت تهدد المواشي في هذه السنة الشهباء ، - فالأخبار الواردة من هناك غير سارة علي الإطلاق- كما أنه من الضروري توفير نقاط مائية في مناطق رعوية يستحيل حتى الساعة استغلالها لانعدام المياه .
وعلي المدى المتوسط والبعيد ينبغي التفكير في إدخال الأساليب الحديثة في التربية الحيوانية خاصة أن العامل البشري لم يعد عقبة نظرا لوجود الكثير من مهندسي الإنتاج الحيواني – أغلبهم عاطلون - من شبابنا بين ظهرانينا اليوم تخرجوا من جامعات ومعاهد دولية معروفة ، وفي هذا الجانب ينبغي أن نشيد بتجربة التلقيح الصناعي التي أتيح لتلك الولاية أن تستفيد منها علي غرار مناطق أخري من الوطن.
لقد بات من اللازم التفكير وبجدية في فتح مدرسة أو كلية بيطرية في النعمة تابعة لجامعة العلوم والتكنولوجيا والطب، علي غرار مدرسة الزراعة في كيهيدي ومدرسة المعادن في اكجوجت، كما ينبغي نقل مركز البحوث البيطرية ( كنورف) إلي هناك تماما مثلما تم تحويل صونادير إلي روصو
البني التحتية:
يبقي دور البني التحية هو العنصر الحاسم لإنجاح أية تجربة صناعية يراد لها المردود والاستمرارية، وهنا سأقتصر فقط علي جوانب أساسية ينبغي التركيز عليها :
شبكة طرق محلية لفك العزلة بين التجمعات السكنية ومناطق تواجد القطعان من جهة وبينها وعاصمة الولاية – حيث المصنع- من جهة أخري حتى تسهل عمليات تجميع الألبان الضرورية لعملية الإنتاج، وحتى أكون واقعيا أقول إن المطلوب في المرحلة الأولي هو الطرق الرملية السالكة موازاة مع الطريق المعبد قيد البناء الذي هو بحق طريق أمل الولاية بمقطعيه : النعمة - آمرج، والنعمة - بنكو- باسكنو، والحقيقة أنه لا معني لصناعة الألبان هناك بدون ذلك الطريق الذي سيكون أهم شريان لتغذية المصنع .
الجانب الأهم الثاني هو الطاقة، فالعملية الصناعية من دون طاقة رخيصة عمل عبثي، لذلك بات من الملح البدء الفوري في تشييد محطة للطاقة الشمسية في عاصمة الولاية تكون بديلا رخيصا ونظيفا مضمون الاستمرارية نظرا للعوامل المناخية المساعدة على ذلك، وموازاة مع ذلك ينبغي التشجيع والدعم لنشر تلك الطاقة النظيفة في القرى والتجمعات الممونة للمصنع ، وفي هذا الخصوص ينبغي على الدولة أن تستنفر الوكالة الوطنية للنفاذ الشامل للتدخل في المناطق المستهدفة.
وتبقي المياه عصب الحياة الأول لأية تنمية مستدامة، وهنا أشيد بانطلاق الأشغال في مشروع بحيرة اظهر الذي تعلق عليه آمال كبيرة علي المستوى الوطني ، لقد كان هذا المشروع حلما راود الكثيرين منذ استقلال البلاد وهاهو يرى النور بعد أكثر من نصف قرن، وحتى تتحقق الآمال المعلقة عليه ينبغي أولا الإسراع في تنفيذه فغالبية حواضر الولاية تعرف نقصا غير مسبوق في المياه، وينبغي ثانيا العمل على الاستفادة القصوى منه عبر زيادة عدد التجمعات المستفيدة، مع مراعاة عقلنة الاستغلال في المناطق الرعوية تفاديا لحصول عمليات رعي جائر لما لها من أضرار على الإنسان والحيوان.
العامل البشري:
لا اقصد هنا اليد العاملة الفنية القائمة على تشغيل المنشأة ، فتلك مسالة فنية تعني إدارة الشركة بمختلف تخصصاتها ، بل ما أقصده هنا هو الإنسان في الولاية الذي هو المستفيد الأول من المصنع – عبر تزويده بالمادة الأولية - أعني التجمعات السكنية والمجموعات المحلية والتعاونيات وغيرهم من أشكال التنظيم المدني والتقليدي، هذه الجهات ينبغي المباشرة فورا في تأطيرها وتنظيمها ونشر ثقافة الإنتاج بين المنتسبين لها ولعل تجربة ولاية ترارزة خير مرجع نقتبس منه ونتعلم ، وهنا أحث منظمات المجتمع المدني العاملة في الميدان لتحمل مسؤولياتها اتجاه أهلنا هناك جنبا إلى جنب مع أجهزة الدولة ذات الاختصاص.
تلك أفكار وخواطر متواضعة تواضع كاتبها أردتها إسهاما في الاحتفاء بالمولود الجديد( الشركة الموريتانية لمنتجات الألبان) ، داعيا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم ونقاش أنجع السبل لتنمية الحوض الشرقي، وبناء الإنسان فيه خدمة للتنمية الوطنية الشاملة.
بقلم:ديدى ولد الوافي