تراكمت على نظام الرئيس الأسبق ،معاوية ولد سيد أحمد الطايع،تداعيات الشرخ الإجتماعي والأمني الذي أحدثته محاولةُ الإنقلاب الفاشلة سنة 1987، وانتهاءُ معفول أقراص وحُقن التهدئة التي واجه بها ملفيْ العبودية والإرث الإنساني، وإقامتهُ لعلاقات دبلوماسية مع إسرئيل سنة 1996، واعتقالُ أمنه السياسي لرؤساء أحزاب المعارضة من مختلف التيارات، و رفضُه الترخيصَ لحزب سياسي للتيار الإسلامي، الذي أودع السجنَ مجموعةً من أبرز منظريه وقيادييه.
وفى الجانب الإجتماعي والإقتصادي، كانت ثورةُ الخبز سنة 1995 رسالةً إلى نظام الرئيس ولد الطايع،لم يأخذها ، فى بداية الأمر، على محمل الجد، واكتفى باعتبارها "تهييجا للشارع من طرف المعارضة الساعية إلى الحكم بكل وسيلة".
و ظل معاوية حريصا حتى آخر أيام حكمه على عدم التنازل عن لقب "رجل موريتانيا القوي".
وفيما كان الشارع الموريتاني يتوقع خطوات من الرئيس تضع حدا للإحتقان السياسي والإقتصادي، قرر ولد الطايع خصخصة بعض بنوك وشركات الدولة، ضمن إجراء اعتبرته جهات سياسية واقتصادية "هدية من لا يملك لمن لا يستحق".
وزاد سخونةَ الوضع رفضُ الرئيس تشكيل حكومة ائتلافية مع أحزاب المعارضة، على الرغم من لقاءه مع زعيم حزب اتحاد قوى التقدم اليساري المعارض، محمد ولد مولود، الذي دعا يومها إلى حوار وطني بين الحكومة والمعارضة، إلا أن دعوته ظلت صيحة فى واد.
ولطمأنة الشارع الموريتاني الذي بدأ يتعود النزول فى مسيرات شعبية كبيرة، وينساق وراء خطاب المعارضة، اغتنم ولد الطايع فرصة خطابه السنوي بمناسبة عيد الإستقلال، فى الثامن والعشرين نوفمبر 2002 ليعلن وجود "احتياطات مهمة من الغاز والنفط فى باطن الأرض الموريتانية".
ودب الأمل فى نفوس البسطاء، لكن المعلومة التي كشفها ولد الطايع لم تكن جديدة بالنسبة لأطراف دولية قوية، كانت قد أدرجت موريتانيا ضمن أولويات أجندتها منذ فترة.
وكيف لموريتانيا أن تشذ عن القاعدة؟ فكل بلد منتج للنفط، أيا كان حجم إنتاجه، يعتبر شريكا استراتيجيا محتملا بالنسبة للدول المستهلكة، وإضافة إلى السوق النفطية، ولاعبا محتملا فى تحديد سعر الذهب الأسود.
ويكفي دليلا على الإهتمام الخارجي بموريتانيا "النفطية" أن جريدة "لموند"الفرنسية خصصت ، فى عددها ليوم 2 مارس 2006 ،صفحة كاملة لتحقيق صحفي عن آمال الموريتانيين بعد اكتشاف النفط فى بلادهم، بعدما لم تكن أكبر الأحداث السياسية والإجتماعية فى موريتانيا تحظى إلا بسطور معزولة فى زاوية من زوايا الجريدة الفرنسية الأشهر.
لكن معاوية قد يكون قرأ هذا التحقيق فى منفاه القطري، بعد أن أطيح به فى انقلاب ناعم فجر 3 أغسطس 2005 .
لقد "خانته" شركة (وود سايد) الأسترالية، فلم تنتج برميل النفط الموريتاني الأول فى الموعد الذي حددته (النصف الثاني من سنة 2005 )، بل تأخرت إلى فاتح 2006 .
ولم تكن "خيانة" الشركة الأسترالية إلا القطرة التي أفاضت كأس الإطاحة بنظام ولد الطايع.
فقد عجلت بزعزعة أركانه محاولة "فرسان التغيير" الإنقلابية سنة 2003 ، ومحاولتان أخريان سنة 2004، و مقتل عدد من عناصر الجيش الموريتاني على يد تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي ،خلال هجوم شنه سنة 2005 على حامية "لمغيطي" فى الشمال الموريتاني.
وبدأ ولد الطايع يفقد السيطرة على زمام الأمور، لأن أقرب مقربيه ورجال ثقته فى الأمن والجيش لم يقرروا التخلي عنه فقط، وإنما أجمعوا على التخلص منه.
موجبه أن إعلان الإكتشافات النفطية ليس دائما فال خير للأنظمة، ولا نعمة على الشعوب.
اللهم اغمُرْنا و وطننا بشآبيب رحمتك وفرَجك ونعمتك، وجنِّبْنا ووطننا أعاصير نقمتك، ولا تأخذنا بما فعل السفهاء منا، يا أرحم الراحمين.
من كتابنا " الديكتوقراطية : جذور ومآلات الصراع على السلطة فى موريتانيا".