إختتمت قبل أيام قليلة أعمال قافلتنا الميمونة، وإن كنت قد دونت عنها عندما كنا في فترة تحضيرها لإقناع الناس بأنها مشروع جاد يجب دعمه وأنها ليست فكرة يراد لها أن تظل حبيسة الرفوف ولدعم فتية يصلون ليلهم بنهارهم في حشد الدعم لها، يعملون في صمت لا كبرياء ولابطر فيه، يسخِّرون أنفسهم لهدفهم يتنقلون على حسابهم الخاص، يجمعون وقود القافلة لكنهم لايفتؤون أن يضعوه كاملا غير منقوص إلا من عرقهم وشغبهم في حساب القافلة!
إلا أن ظروف عمل القافلة منعتني من التدوين أثناءها ومنعت نفسي من الكتابة بعد إنتهاء أعمالها لأسباب كثيرة، ليس أقلها أن القافلة كانت تجربة غنية بكل المقاييس ولن أفيها حقها بقليل دالٍّ ولا أريد أن أسترسل في التدوين عن حدث إنقضى ولله الحمد كان صداه في الغالب إيجابيا!!!!
لكنني لمحت تدوينة لأخي المهندس شيخنا محمد فال تطالبني بالإدلاء بدلوي في موضوع أشرفت بكل فخر فيه على تنسيق عمل كوكبة من خيرة أطباء هذا البلد!
القافلة تعتبر من وجهة نظري المتواضعة أكبر عمل تطوعي صحي إنتهى إلى مسامعنا خبره في هذه الربوع وضمت زهاء ٤٠ طبيبا بإحتساب من شاركوا بعمل يوم أو يومين فقط! كان أبرز تحدياتها تأمين أكبر إستفادة للساكنة مع صغر المستشفى الجهوي بلعيون، أدى بنا ذلك إلى إعتماد لامركزية على مستوى مدينة لعيون (٤ مراكز معاينة : المستشفى الجهوي، مركز الرحمة الخيري، المركز الصحي بلعيون ومركز العركوب) ولامركزية على مستوى المقاطعات(كوبني، الطينطان وتامشكط )، زدناها لاحقا بفرق دعم تخصصية تمليها حاجة الساكنة ونصيحة الفرق المتقدمة هناك!! تلك اللا مركزية أفادتنا كثيرة في ضبط النظام حيث كان النظام جيدا غي العموم لكنها فتتت جهودنا لوجيستيا وأرهقتنا كثيرا لكثرة المراكز وضرورة زيارتها جميعا للإطلاع على ظروف عمل الزملاء والنواقص، ضف إلى ذلك أنك كطبيب يجب أن تعاين المرضى وتجري التدخلات الجراحية وأحيانا تتنقل ليلا لإسعاف حالات طارئة!!!
كان عمل القافلة عملا متشعبا ومعقدا ويتطلب الكثير من التركيز على جبهات عدة، قبل التطرق لها سأحاول أن أعرج على ما جلبناه للمستشفى الجهوي من معدات وما قمنا به من إصلاحات:
- إصلاح وصيانة جميع أسرة الأسنان في الولاية،منها جهاز على مستوى -PMI لم يتم إستخدامه من ذي قبل
- صيانة جهازي فحوص الهرمونات VIDASو جهاز شوارد الدم ionogramme sanguin
- جلب كل مستلزمات ومتفاعلات الفحوص المتاحة في المستشفى الجهوي بكميات محترمة بما فيها الجهازين المذكورين آنفا!
- جلب كمية من مستلزمات الأشعة
- ٣ علب من الأدوات الجراحية واحدة لعمليات الأطفال ( boîte Pédiatrie )، والأخرى لجراحة البطن ( boîte abdominale) والأخيرة تستخدم في كل العمليات ( boîte de base).
- مصدر إضاءة متنقل لغرفة العمليات Scialytique mobile وهو ما مكننا من الإستفادة من غرفة عمليات رابعة !
- كميات كبيرة من أدوات العمليات (فرش ولباس الجراح ومساعده ) ذات إستخدام وحيد
- أدوية التخدير والإنعاش وادواتهما بما فيها المضادات الحيوية ومسكنات الألم
- الشبكات المستخدمة في ترميم الفتوق
- الدرانق المستخدمة في سحب الدم بعد العملية بكمية كبيرة وأحجام مختلفة ونوعية جيدة.
- الأدوية : حقن، حبوب، تحاميل، أقراص و مشروبات تم إقتناؤها ومن جميع عوائل الأدوية وبكميات كبيرة.
الأهداف التي رسمت للقافلة تحققت بفضل الله وزيد عليها، مستوى الإقبال كان منقطع النظير ومستوى الخدمات المقدمة كان راقيا رغم الظروف.
سأعود لما تحقق بالتفصيل عندما تتوفر الأرقام النهائية لاحقا.
هذه مناسبة لكي أهنأ زملائي الذين رافقونا في هذه المهمة النبيلة على العمل الرائع الذي قاموا به واقول لهم إن ساكنة الحوض الغربي مدينة لهم بجميل صنيعهم.
سأتطرق هنا لبعض المواقف النادرة التي حصلت معنا أيام القافلة.
الموقف ١:مريضة آتية من فصالة في باص وذاهبة إلى أنواكشوط، توقف الباص في محطة لعيون، تأخذ هاتفها: " آلو د. سامي، أنت طالع للعيادة الدحميس؟! مرحبا، لا ، أنا أمسافر! يا غزّي، أنا اراعيني الحقت لعيون جايتك! انا اف لعيون، وهاي بأطفيلة شور مركز الرحمة الخيري أنشوفهالك!!×× زغدت السيدة من فرط فرحتها. تمت المعاينة وعادت أدراجها لتربح سفر ١٦٠٠ كلم في ظروف مناخية صعبة وطريق متهالك
الموقف ٢: مع زميلي وصديقي د.سيدأحمد البشير كنا ننتظر قدوم الوالي لإعطاء إشارة بدإ القافلة، جاءه مريض يسأل عن أخصائي العيون فأرشده إليه لكنه لاحظ أن إبنه لديه شفة أرنبية فقال له إلا تريد علاج الطفل؟ فأجاب : نعم ، لكن هل يمكن علاجه؟! تم علاج الطفل من طرف د. سيد محمد الناجي يعد ذلك بيومين وتبرع نفس الجراح ببعض المال للأسرة الضعيفة، جزاه الله خيرا.
الموقف٣: مريضة على سرير العمليات تنزف وفصيلتها غير متوفرة عند بنك الدم، ينبري المخدر الرئيس د. مولاي أشريف مولاي أدخيل للتبرع لها بدمه ويعد ذلك فني التخدير الرائع الصبور عرفات يتبرع لها بدوره ليتم إنقاذ حياتها وسط فرحة الجميع!