بسم الله الرحمن الرحيم
وثيقة تشخيصية خاصة بقطاع الصيد البحري صادرة عن زعيم المعارضة الديمقراطية
لقد اعتمدت أسلوب الزيارات الميدانية بهدف معاينة مشاكل المواطنين عن قرب و الاستماع لكل الفاعلين بمختلف مواقعهم و مسؤولياتهم، و ذلك لتحصيل صورة أكثر واقعية و مصداقية عن معاناة و مشاكل المواطنين، بعيدا عن الإنطاباعات من جهة و الصور الوردية من جهة أخري.
و أتاحت لي زيارة عمل قمت بها لمدينة نواذيبو في الفترة ما بين 8 و 10 ابريل 2021 الإطلاع على واقع سكان المدينة، و أوضاع الثروة السمكية التي تعتبر أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني، و الركيزة الأساسية لقوت ساكنة هذه المدينة.
و يقدم هذا التقرير تشخيصا لواقع قطاع الصيد و التحديات الراهنة التي تقف أمامه، كما يقدم مقترحات للنهوض بالقطاع من اجل تجاوز الحالة الكارثية الراهنة التي يمر بها، أملا في دفع شركاء القطاع لتشخيص تشاركي جاد يفضي إلي مقاربات وطنية شاملة تعالج الإختلالات المتعددة التي يواجهها.
و يشتمل التقرير على المحاور التالية:
المحور الأول: محورية قطاع الصيد في الاقتصاد الوطني
ثانيا: تشخيص الحالة الراهنة لقطاع الصيد
ثالثا:التشغيل ومشاكل العمالة
رابعا: وضع الموانئ
خامسا:مقترحات
أولا: محورية قطاع الصيد في الاقتصاد الوطني:
تملك الجمهورية الإسلامية الموريتانية شاطئا بحريا مطلا على المحيط الأطلسي بطول 750 كلم يتميز بثروة سمكية هائلة ومتنوعة حيث تبلغ 700 نوع، منها 200 ذات قيمة تجارية، تُستغل 6 أنواع منها فقط في الأسواق التجارية المحلية والعالمية، ويعود ذلك إلى عاملين رئيسين: أولهما اتساع الرصيف القاري (90 ميلاً بحرياً في الشمال و30 ميلاً بحرياً في الجنوب)وثانيهما المناخ البحري، حيث يوفر التقاء التيار الصحراوي الدافئ وتيار الكناري البارد جواً ملائماً لتكاثر الأسماك.
و صلت مساهمة قطاع الصيد البحري إلي 23,9 مليار من الأوقية الجديدة أي نسبة 9,4% من الناتج الداخلي الخام حسب إحصائيات 2018 ، ويشغل القطاع حوالي 66460 عامل حسب إحصائيات 2017 منها 42900 في الصيد التقليدي، 6200في الصيد الشاطئي، 4800 في الصيد الصناعي.
ارتبطت بلادنا بعلاقات اقتصادية تاريخية مع الاتحاد الأوروبي، جعلته يعقد شراكة مهمة معها،حيث سمحت موريتانيا لسفن دول الاتحاد الأوروبي بالصيد في مياهها بما مكنها من صيد حوالي 225 ألف طن سنوياً من الأسماك، مقابل دفع 110 مليون دولار في السنة. كما وقعت بلادنا مذكرة تفاهم مع بعض المستثمرين السعوديين سنة 2013، و استثمرت شركة سعودية ما قيمته 300 مليون دولار في صيد الجمبري من المياه الموريتانية. هذا بالإضافة للعديد من الفاعلين الاقتصاديين و المستثمرين الآسيويين، اللذين يتمتعون بمزايا اقتصادية كبيرة في هذا القطاع. إلا أنه من الملاحظ ضعف انعكاس هذه الاتفاقيات على تحسين الظروف المعيشية لسكان مدينة نواذيبو و على واقع هذه المدينة الحيوية.
ثانيا: تشخيص الحالة الراهنة لقطاع الصيد:
لم يعد خافيا على أحد حجم المخاطر الكبيرة التي تهدد قطاع الصيد البحري، و التي تجلت بشكل أوضح مع هذه السنة في ظل الندرة الشديدة للسمك بسبب عدة عوامل من أبرزها استنزاف المخزون السمكي من قبل مصانع دقيق السمك وزيت السمك مما أثر على الأمن الغذائي و فرص التوظيف و التشغيل.
و تتعزز هذه المخاوف مع ما أكده تقرير دولي حديث أعدته منظمة "شانجينغ ماركت Changing Markets" بالتعاون مع شبكة السلام الأخضر - إفريقيا Greenpeace Africa من أن موريتانيا تعد المزود الأول على مستوى المنطقة للمصانع الأوربية إذ تنتج لوحدها 110 ألف طن من دقيق السمك من ضمنها 18٪ موجهة للسوق الأوربي، كما تنتج 35 ألف طن من زيوت السمك من ضمنها 70٪ موجهة للسوق الأوربي.
إن الضغط الذي تواجهه المصائد السمكية الموريتانية والمخاطر البيئية الناجمة عن ممارسات سفن الصيد الأجنبية خاصة الصينية والتركية يساهم أيضا في الارتفاع المتزايد لأسعار المنتجات البحرية بالأسواق المحلية، خاصة أسماك السطح التي تشكل أهم مكونات النظام الغذائي للموريتانيين.
كما أن دخول بعض سفن الصيد الصناعي العملاقة للمياه الإقليمية الموريتانية بات يشكل أكبر تهديد للثروة السمكية الموريتانية، من خلال استخدام أساليب ممنوعة بحكم النظم الدولية الخاصة بالتوازن الحيوي للبحار والمحيطات،حيث تستخدم هذه السفن شباكا قادرة على جرف جميع الأحياء البحرية، بما فيها الأسماك النادرة الممنوع من الصيد.
و قد رصدنا هنا جملة من أهم التحديات التي يعاني منها قطاع الصيد البحري في بلادنا، على النحو التالي:
▪ غياب آلية رقابة فعالة تضمن الحفاظ على الثروة السمكية المتجددة أمام الاستنزاف الهائل والممنهج من طرف الأساطيل الأجنبية
▪ وجود اتفاقيات مجحفة و غامضة مع بعض الشركات الأجنبية تحوم الشكوك حول مضمونها. مع ضعف مردود هذه الاتفاقيات على البلاد وعلى اقتصادها. فعلى سبيل المثال: عمالة الشركات الصينية من المواطنين قلية جدا ورواتبها ضعيفة وحقوقها غير محمية وعقودها غير قانونية، فضلا عن أن شركة هوندونغ لا تشتري أي شيء من السوق المحلية، فكل احتياجاتها تأتيها مباشرة من الصين.
▪ نهب الثروات وتدمير البيئة البحرية الذي تقوم به سفن الصيد الصينية والتركية من خلال استخدام شباك محرمة في الصيد، هذا بالإضافة لتدمير الأحياء البحرية و استنزاف الثروة السمكية.
▪ غياب صناعات محلية أو تحويلية ترفع من قيمة المنتوج السمكي الوطني.
▪ غياب إستراتيجية وطنية عملية وفعالة تسهم بشكل فعلي في مرتنة الوظائف، خلافا لبعض التجارب في المحيط الإقليمي، إذ يستوعب فيها هذا القطاع مئات الآلاف من المواطنين بتشجيع من الحكومات.
▪ بحث بعض المستثمرين المحليين عن التكسب بجشع على حساب المصلحة العامة وتمالئهم مع شركائهم الأجانب، ومن الأمثلة الصارخة في هذا المجال شركات دقيق السمك التي تخل بشكل جلي بالتزاماتها البيئية و باستغلال الأسماك الصالحة للاستخدام الآدمي.
ثالثا: التشغيل ومشاكل العمالة:
يشكل قطاع الصيد البحري في موريتانيا فرصة كبيرة لاستيعاب أعداد ضخمة من اليد العاملة الوطنية كما يمكن أن يلعب دورا رئيسيا في تحسين الظروف المعيشية للأسر الموريتانية، وبالرغم من ذلك فإن اليد العاملة الموريتانية المشتغلة في قطاع الصيد تعاني من:
▪ ضعف الأجور والمرتبات
▪ عدم توفر عقود عمل دائمة
▪ وجود اختلالات كبيرة في نظام الضمان الاجتماعي ومستوي شموله للعمال
▪ غياب الرعاية اللازمة بالمتقاعدين وضعف ما يحصلون عليه (50 ألف أوقية قديمة كل ثلاثة أشهر.
▪ عدم استفادة فئة كبيرة من المتقاعدين من زيادة 100%، التي أعلن عنها رئيس الجمهورية للمتقاعدين.
▪ عدم تصريح المشغلين بالأعداد الحقيقية لعمالهم، الأمر الذي ينجم عنه ضياع حقهم في التقاعد.
▪ ضعف الرعاية الصحية لشريحة واسعة من طبقة العمال وانعدام التأمين الصحي.
▪ كثرة الحوادث المميتة وافساد شباك ومصائد صغار السماكين من طرف الأساطيل الكبيرة
▪ بطئ إجراءات التقاضي و وعدم تنفيذ الكثير من أحكام القضاء ، فمثلا يوجد ملف يشمل 105 شخص ضد شركة هوندونغ لدى المحكمة العليا منذ 4 سنوات دون الحسم فيه.
▪ ضعف الخبرة عند العمال الجدد وغياب تكوين مهني فعال يمكنهم من منافسة اليد العاملة الأجنبية.
▪ استغلال آلاف البسطاء و المهمشين عن طريق التعاقد الباطني(تاشارونا).
▪ ضعف انعدام إجراءات السلامة لدي الكثير من ممارسي مهنة الصيد.
رابعا: وضع الموانئ:
إن شساعة الحدود البحرية الموريتانية وتنوع الثروة السمكية وأهميتها الكمية و الطموح لخلق منطقة حرة فاعلة و جاذبة عوامل تدفع بلادنا إلى ضرورة زيادة الموانئ البحرية وتطوير الموانئ الرئيسة لتتمكن من الاستغلال الأمثل لطاقتها بما يخدم الصالح الوطني.
و عليه فإنني، و بعد زيارة ميناء نواذيبو المستقل وميناء خليج الراحة اطلعت على جملة من التحديات و النواقص ، أري أن رفعها يمثل ضرورة وطنية قصوى:
▪ الإسراع فى انطلاق ميناء له قدرة على استقبال السفن العملاقة والذي يفترض أن تشكل شبكة السكة الحديدية التي تعتزم دول الساحل انشاءها تكملة لهذا المشروع.
▪ ضعف الطاقة الاستيعابية لميناء خليج الراحة التي تبلغ 1200 زورق في حين يستقبل 5000 زورق.
▪ غياب شرطة بحرية تعني بالتسيير الأمني للقطاع
▪ عدم ترسيم الحدود البحرية لميناء خليج الراحة.
▪ الحاجة إلي زيادة معدات رفع البضائع.
▪ الحاجة إلى معدات حفر وجرافات.
▪ الحاجة إلى منصة عائمة لنقل السفن.
▪ الحاجة إلى معدات رفع السفن.
▪ الحاجة إلى بناء مراسي ثابتة.
▪ الحاجة إلى إعادة تأهيل الحاجز الصخري.
▪ ضرورة العناية بالطواقم الإدارية ماديا و معنويا للرفع من القدرات الإنتاجية للميناءين.
▪ الحاجة إلى بناء موانئ جديدة لتخفيف الضغط على ميناء خليج الراحة وتوفير فرص عمل جديدة.
خامسا:مقترحات:
إن الثروة السمكية المتجددة التي حبا الله بها بلادنا تحتاج ترشيدا و رعاية من مختلف الفاعلين، و تقع المسؤولية الأولي هنا على السلطة بوصفها صاحبة القرار و من يملك القدرة على إعادة تنظيم هذا القطاع الذي يواجه مشاكل بنيوية متعددة الأبعاد.
و لذا فإنني أقترح لمعالجة هذه الإشكالات ما يلي:
- ضرورة تنظيم أيام تشاورية موسعة و متخصصة تشارك فيها كل القوي الوطنية جنبا إلى جنب مع الخبراء والمستثمرين من أجل رسم إستراتيجية وطنية تمكن من الاستغلال الأمثل لهذه الثروة وتحافظ عليها لصالح الأجيال القادمة.
- وضع إستراتيجية وطنية شاملة تحمي العمالة الوطنية في هذا القطاع بما يؤمن لها العيش الكريم و يساهم في حماية حقوقها و يطور أدائها.
- مراجعة جميع الاتفاقيات المجحفة مع الأساطيل الأجنبية.
- تحديث مدونة قطاع الصيد على ضوء مخرجات الأيام التشاورية المقترحة.
- إيجاد شرطة بيئية و تفعيل دورها بما يضمن حماية الثروة السمكية و وسطها البيئي.
و الله الموفق