رجالات الدولة (رأي حر)

ثلاثاء, 2021-07-13 11:46

الكيانات العامة كالدول وما في حكمها، تتحسن فيها الأوضاع، وفق التراكم القطاعي، فرغم التداخل بين قطاعات الدولة المختلفة، بحكم الترابط العضوي، فإن المنجز القطاعي الذي يفضي الي تحسن الأداء القطاعي، يعتمد بالمقام الأول علي تراكم المنجزات داخل القطاع الواحد، الأمر الذي يصفه علماء الإناسة والاجتماع وعلم النفس السلوكي بـــــــــ" رسونية التلازم" التي تعني التواتر الأفقي والرأسي لسلم الأولويات القطاعية، دون حرق للمراحل، الأمر الذي يقود الي تراكم التجارب والخبرات داخل القطاع الواحد وينقل الي مراحل متقدمة دون القفز علي المراحل الضرورية للتأسيس والبناء، هذا الفهم السوي لآليات البناء كما حددتها قواعد التفكير الاستراتيجي الذي أضحي ديدن ومعلم استرشادي للمخططين العامين في أية دولة نامية كانت او متطورة، هو ما يميز رجالات الدولة المتسلحين بثقافة شمولية تعاضدها تجربة ميدانية طويلة الأمد.
جميع الدول الي قادتها أنظمة راديكالية ثورية، تعتبر التفكير الاستراتيجي ترف فكري وتستسخف بالتراكم المعرفي الذي تعتبره تفكير برجوازي رجعي، لجأت الي سياسة حرق المراحل بغية تسريع عجلة التنمية ونقل المجتمع والدولة في بحر سنوات قليلة من حالة الركود والتخلف والجهل الي مصاف الدول المتقدمة، سياسة حرق المراحل هذه التي كانت ايقونة عقود ستينات وسبعينات القرن المنصرم، قادت الي نتائج كارثية، بددت مقدرات وثروات الدول دون تحقيق تقدم ملموس، ولنا في تجربة الاتحاد السوفييتي والاتحاد اليوغسلافي وتجارب العراق والجزائر وليبيا والسودان نماذج صارخة، لخطورة تجاهل اساسيات التفكير الاستراتيجي في بناء الكيانات العامة.
يظن الكثيرون أن السياسات المتبعة او الأيديولوجية المتبناة من قبل النظام الحاكم، هي ما يحدد مدي النجاعة، في حين أن واقع الحال والتجارب السياسية من حولنا تثبت بجلاء لا تجدي حياله المكابرة، أن تطبيق مفهوم " رسونية التلازم" التي تعتبر من أهم أساسيات التفكير الاستراتيجي في بناء الكيانات العامة كالدول، هي الفيصل الذي يحدد مدي النجاعة من عدمها.
الصين مثلا تتبني أيديولوجية اشتراكية ويحكمها نظام شمولي لا يحفل بأساسيات المنظومة الليبيرالية، كحرية التعبير وحقوق الانسان والديمقراطية التناوبية، ومع هذا يعتبر نموذجها التنموي من انجح النماذج في عالم اليوم منذ ثلاثة عقود، والسر في نجاح الخلطة الصينية أنها تطبق وبحرفية تصل حد الصرامة مخرجات العلم ويتسلح رجالات الدولة بها بأساسيات ومرتكزات التفكير الاستراتيجي.
في موريتانيا قلة هم رجالات الدولة في المناصب السامية الذين يتبنون مفهوم" رسونية التلازم" داخل قطاعاتهم، ولعل النموذج الذي يتبادر للذهن مباشرة خلال العقدين الأخيرين، يكاد ينحصر في شخص الفريق مسقارو ول سيدي ول أغويزي عبر مسيرته الثلاثية في:
- الحرس الوطني.
- قطاع أمن الطرق.
- قطاع الأمن الوطني.
حيث لاحظ المراقبون والمتتبعون للشأن، مدي تراكم المنجز في القطاعات الثلاثة، وربما ساعد الفريق مسقارو، تداخل هذه القطاعات وقربها الوظيفي من بعضها البعض، إلا أن العامل الأهم في النجاحات الملحوظة في هذه القطاعات يرجع الي مدي قناعة الفريق مسقارو بأهمية تطبيق محددات وأساسيات التفكير الاستراتيجي دون حرق للمراحل.
ولعل أبرز النجاحات في هذا الصدد هو النقلة النوعية التي عرفها جهاز الشرطة وقطاع الامن العام منذ تم تعيين الفريق مسقارو صيف العام 2020 مديرا عاما للأمن الوطني بموجب مرسوم رئاسي.
وتتجلي هذه الرؤية الاستراتيجية في تفكير مسقارو في ترتيب سلم الأولويات لقطاع الأمن العام من خلال إعادة الاعتبار لأصحاب الكفاءات من أطر الشرطة، والعمل على رفع الظلم عن المظلومين والمغبونين داخل القطاع، مما قوي الجهاز وجعل الشرطة حاضرة بجاهزية غير مسبوقة، أفضت في بحر سنة ونصف السنة الي تفكيك العديد من عصابات الجريمة المنظمة.
من المحددات الأساسية لآليات التفكير الاستراتيجي أن إقلاع وانطلاق أي مجتمع وانتقاله من حالة التخلف والجهل والمرض الي حالة التقدم، تتوقف على مدي تزامن الاهتمام والقيام بإصلاحات جذرية في كافة قطاعات الدولة، أهمها أضلاع النهوض الثلاثة:
1. الصحة.
2. التعليم.
3. الأمن.
من هنا نري أنه ينبغي الإشادة بأي جهد أو تأصيل معرفي تقوم به النخب الحاكمة، وتثمينه والبناء عليه، ليتعزز ويتواصل.
تقدير رجالات الدولة بالمفهوم الاستراتيجي، تقدير للوطن، والفريق مسقارو أثبت أنه مدماك بناء في صرح الوطن الذي يتحضر بتململ للانطلاق نحو العلياء.
نواكشوط / 13 يوليو 2021.