يتطلب النظام الديموقراطي السياسي في بلد ما ضمان الحريات السياسية والمدنية وحرية التعبير ويتم
تكريسها في الدساتير المعمول بها في الدول الديموقراطية .وفي إطار تلك الحريات السياسية تكون التعددية الحزبية مظهرا مميزا للمشهد السياسي ,يكون منها حزب أو أحزاب تمارس السلطة وأخرى تعارضها وتظل تسعى للوصول إلى السلطة لتتمكن من تطبيق برامجها الحزبية التي تعتقد أنها أنسب و أكثر ملائمة للبلد من برامج حكومة الأحزاب التي تختلف معها من حيث البرامج والإستراتيجيات لذا تعتبر هذه الأحزاب معارضة للأحزاب التي تمارس الحكم والتي تعتبر أغلبية .ويفترض أن الخلاف بين الطرفين يتعلق بأسلوب وكيفية تغيير الأوضاع في البلد على نحو يمكن من تجاوز التحديات من أجل تحقيق النمو والتقدم والرفاه للمواطنين .ومن منطلق نظرة المعارضة التي ترى أن النظام الحاكم حاول وفشل في التغيير الذي يخدم المواطنين .هل يحق لنا أن نتساءل عن مدى استطاعة الأخيرة أن تحدث
التغيير الذي يجيب على الأسئلة الكبرى المتعلقة بتعزيز الوحدة الوطنية والتوزيع العادل للثروة الوطنية و عن إمكانية التناوب السلمي على السلطة ؟
يرى بعض المتتبعين لمشوار المعارضة في بلدنا ,أنها تعاني من مشاكل منها ما يتعلق بغياب رؤية
سياسية موحدة ترتبط بالحلول المناسبة لتجاوزا لتحديات التي تعيق تنمية البلد وتقدمه .وعدم تمكن
المعارضة من وجود إطار تنسيقي يحول دون انقسامها على نفسها مما يوفر دائما فرصة للنظام للنيل منها .فالمعارضة نشأت مع بداية المسار الديمقراطي موحدة لكن سرعان ما بدأت تنقسم على
نفسها متحولة من حزب اتحاد القوى الديموقراطية العملاق إلى أحزاب صغيرة متعددة .وعلى الرغممن لجوئها بين الفينة والأخرى إلى تكوين تحالف يضم أحزابها إلا أنه لا يعمر طويلا وهذا ما حدث لمنسقية أحزاب المعارضة الذي ولد على أنقاضه المنتدى الذي يعتبره الكثيرون من المراقبين للشأن السياسي بأنه يعيش طور الاستشفاء .ويعزي البعض انحسار خطاب المعارضة إلى ابتعادها وعدم تواصلها مع قواعدها ومع المواطنين .واتخاذها قرارات هامة دون اعتبار في أكثرالأحيان لوجهات نظر مناضليها .
تعاني المعارضة من هذه المشاكل في ظرف يتميز البلد بما يعتبره البعض انسدادا سياسيا لعدمتمكن قطبي الرحى في المشهد السياسي وهما الموالاة والمعارضة بكل أطيافها من التمكن من
إجراء حوار سياسي قد يؤدي إلى انفراج ينعش التنمية في البلد ويمكن من تعزيز الوحدة الوطنيةويحافظ على الوئام الاجتماعي ,ولا سيما أنه في ظل الغليان المعيشي وتفاقم الأوضاع الإجتماعية
من ارتفاع تكلفة الحماية الصحية وتدهور النظام التربوي وانتشار الجريمة المنظمة يجعل الحوار
بين الموالاة والمعارضة مطلبا ملحا للمواطنين .
إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها بلدنا في ظل التغيرات والتحولات الإقليمية والدولية,تملي على الفر قاء السياسيين وعلى النخبة وقادة الرأي المساهمة في إحداث التغيير الذي يتطلبه التحول الذي يشهده بلدنا في كل مناحي الحياة .وفي اعتقادنا أن وتيرة وسرعة هذا التحول على درجة لم تتمكن لا المعارضة ولا النظام من مواكبته .وهذا ما جعل الطرفين يصف كل منها الآخر بالفشل والعجز عن تحقيق الطموحات الأساسية للمواطنين في مرحلة تدل كل مؤشراتها على ضرورة خلق قطيعة مع ممارسات سياسية وأساليب حكم وتسيير سابقة .مما يتطلب إحداث تناوب على قيادة الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني قبل ترسيخ الديموقراطية القاعدية في عقليات وسلوك المواطنين ..ربما هكذا إجراء يسهم في إحداث تغيير تصاعدي ينطلق من القاعدة إلى القمة .ولن يكون للتغيير معنى إذا اعتقدنا أن زعماء من المعارضة أو من الموالاة بعينهم هم من يصلح بهم التغيير ويجب أن يكونوا على سدة الحكم .وهذا ما نعتقد أنه من بين المعوقات البنيوية التي تعاني منها خاصتنا وعامتنا ,لأن التغيير يجب أن يتعلق بالأساس بالبرامج والاستيراتيجيات وأساليب العمل والتطبيق لإحداث أكبر مردود في التنمية الشاملة .يتعلق ببرامج ورؤى وأساليب تطبيقها تحل محل برامج ورؤى ونهج كان يتخذ لتطبيقها .ولا يتعلق بزعيم يحل محل زعيم أو شخصيات يحلون محل شخصيات .
مع علمنا أن عملية التغييرقد تكون بنيوية وتراكمية .يمكن القول بأن المعارضة السياسية قد ساهمت في تحفيز الأنظمة على أن تتغير وتغير ,إلا أنه يظل محدودا بالنسبة لما يتطلبه إصلاح ما أفسد الدهر
من أحوال البلد .ويبقى في نظرنا السؤال العالق في الأذهان ,هل يمكن للنظام والمعارضة عموما ان تكامل دوراهما أن يحدثا تغيير ا يتماشى وتطلعات المواطنين في هذه المرحلة ؟