موريتانيا ومظاهر الهرولة نحو الحرب الأهلية / المعلوم أوبك

خميس, 2018-10-25 13:58

لا يمكن تجفيف منابع الحرب الأهلية والإبحار نحو السلم الأهلي ما لم نتعرف على مظاهرها لكن سيسارع العديد من أصحاب العاطفة الجياشة لنفي هروب موريتانيا نحو الحرب الأهلية بدون تفكير متذرعين أن لموريتانيا خصوصية تمنع شعبها من الانجراف إلى أتون الحرب الأهلية وكأننا دون خلق الله أجمعين لا نخضع لسننه الكونية ولا لقواعد التجربة الإنسانية ، متناسين أن الشعوب والأمم ذات المكونات المتنوعة تنبئنا أنه إذا لم نحتكم لنداء السلم الأهلي وننحاز لمبادئ الكرامة الإنسانية فإننا مهددين بالسقوط في الحرب الأهلية ، فمهما حاولنا أن نظهر أننا محصنين ومتذرعين بأن التاريخ الموريتاني لم يشهد حروبا عرقية ، فعلا تلك حقائق تاريخية صائبة توضح أن الوحدة والتماسك أبرز سمات مجتمعنا على مدار التاريخ ، ولكن ذلك لم يعد ضمانة كافية لطرد شبح الحرب الأهلية خاصة وسط أجواء الشحن الاجتماعي الراهنة ، فالطبيعية السيكولوجية المتسامحة للمجتمع الموريتاني لن تظل على حالها لأن تغير السيكولوجية النفسية لأي شعب أمر خاضع للأحداث المختلفة والظروف الحاضنة ، فشحن المكونات ضد بعضها البعض مع توفر بيئة مشجعة على التعصب يسقط في أتون الحرب الأهلية التي هي حرب بلا معنى وبلا جدوى وبلا خلاف حقيقي وهدف ، فلقد اكتوت شعوب قبلنا بنيران الحرب الأهلية وتأكد لها أن التنازع والشقاق خيار خاطئ ، لكن يبدوا أننا لا نريد أن نتعلم من أخطاء الآخرين وندفع باتجاه نتاج ذات الحماقات التي وقعت في فخها شعوب أخرى ، وتأتي هذه المساهمة كصيحة تحذيرية بأن وفاقنا الأهلي مهددا ، ودعوة لضرورة إيقاف الهرولة إلى مستنقع الصدام الاجتماعي البغيض ما لم نتدارك ونحاصر قنوات الفيروسات المهددة لوئامنا الإجتماعي ، فلا بد من فرقة إطفاء تتكون من العقلاء ووجهاء المجتمع وكل الفاعلين في شتى الميادين ومن له تأثير على العقل المجتمعي العام تحاصر هروبنا من حيث لا ندري نحو الخيار الخاطئ ، فلا مناص لنا من العيش معا والنهوض بالوطن جميعا يدا واحدة وفريقا واحدا ، ولعل المتأمل في جسم المشهد الاجتماعي الموريتاني يرى بوضوح علامات هروب موريتانيا نحو الحرب الأهلية بارزة ، فكما تظهر علامات المرض على الجسد العليل تظهر علامات الهروب نحو الحرب الأهلية على قسمات الدول والمجتمعات قبل حدوثها ، والتي أبرز تجليات مظاهرها ما يلي:

1 ـــ في حالة الهروب الحاد نحو الحرب الأهلية بين مكونات المجتمع الواحد ، “يصبح كل مكون اجتماعي في نظر الآخر المخالف له هو شيطان رجيم ليس فيه ذرة من خير وبقية من إنسانية ويجب التخلص منه لأنه أصبح شر مُطلق، وينتج عن هذه الحالة من العداء أن ينغلق كل مكون على نفسه فلا يقبل التوجيه والنقد إلا من داخله فقط ويُصاب بحالة انغلاق الذات ويبدأ كل طرف ينسج قصصه الخاصة به ويصبح لكل مكون مصادره الخاصة في الأحداث التاريخية والتصورات ، ويسود بين الجميع منطق الثأر والانتقام وتنتشر في المجتمع حالة من الخوف والقلق على الحاضر و المستقبل ” .

2 ـــ وصول خطاب التفرقة إلى أشده وتزايد النزعات العرقية والفئوية والعنصرية من جهات متعددة سياسية ثقافية نضالية شبابية و نسائية …. الخ

3 ـــ وصول مناخ عدم الثقة بين الفاعلين إلى حد الخروج على الضوابط المتعارف عليها.

4 ــ اعتقاد مكون مجتمعي ما أنه أفضل من الكل والآخرون دون المستوى وتنتفخ ذاته بذلك ويبني قناعاته على هذا الاعتقاد ، ثم يستدعي نصوصا مقدسة ويفهمها فهما يخدم نواياه أو يفسر حادثة تاريخية مبتورة عن سياقها كما يهوى ، فتتولد مشاعر العداء للآخر المخالف ، و تبدأ بذلك نيران لهيب الحرب الأهلية في الانتشار .

5 ـــ استغلال أي مشكلة تقع هنا وهناك لإشعال الأمور والدفع بها باتجاه النيل من الآخر وتشويه صورته ومحاولة القضاء عليه .

عند حوصلة هذه المظاهر في بلد تهرول نحو خيار تهديد للسِّلْم الأهلي حتى يصبح الجميع أعداءً فيفقد الإنسان زمام ذاته ويصبح معها في حالة غير طبيعية ولا يدري ما يفعله ، وينخرط في عنف جماعي أعمى ، في حالة من الهرج والمرج والعنف الجماعي بين مكونات المجتمع الواحد .

كل ذلك يدعونا جميعا وفي المقدمة القوى الفاعلة في المجتمع بغض عن تموقعها العمل لترسيخ قيم السلم الأهلي لبناء مجتمع متماسك قادر على التغلب على انقسامات ماضينا وإجحافاته ، ومعالجة التوترات المجتمعية بشكل مشترك وفق قيم المساواة والإنصاف والكرامة بعيدا عن خيار القهر ، وإلا فإننا سنظل نهرول جميعا بدون أن ندري إلى سيناريو فخ الحرب الأهلية التي سيحتكم فيها الجميع لمنطق الغباء ولفلسفة المعارك الصفرية ولاستخدام العنف وبذلك تكون النتائج كارثية ووخيمة على البلد ولن تؤدي إلا إلى خسارة الجميع و بحر من الدماء والأشلاء والدموع ، فلا نريد أن نغتال سلم واستقرار المجتمع الموريتاني المتنوع فلنتحد لمواجهة الهرولة نحو الحرب الأهلية