يـُقال دائما إن لكل نظام رجاله، مقولة قد لا تجد مصداقا لها في نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، فالرجل يتخلص من أهم رجالات بكل بساطة وبدون مقدمات، الوزير الأول لسبع سنوات، ورئيس الحزب الحاكم ووزير الخارجية لسنوات، ووزير المالية ومحافظ البنك المركز، وقائد وفد النظام لحوار داكار، وغيرهم، كلهم كان يملأ فراغا هاما في النظام، ويلعب دورا محوريا، ويصف نفسه بالركن الأساسي الذي لا يستقيم النظام بدونه، لكن ولد عبد العزيز أطاح بهم جميعا، وبطريقة لا تخلو من الإهانة، بدء بسيد احمد ولد الرايس، الذي أقيل من أجل سواد عيون خصمه ولد اجاي إثر خلاف شهير بينهما، مرورا بولد محمد لغظف الذي أقيل ذات صباح مشهود بعد يوم واحد من عودة خصمه الوزير الأول يحي ولد حدمين من جولة في الداخل، وقيل ما قيل في ذلك، وليس انتهاء بولد احمد إزيد بيه، الذي أقيل قبل أسبوعين من انعقاد قمة إفريقية كان يشرف على تحضيراتها، في خطوة فاجأت المراقبين، ولا ننسى هنا الإشارة للعقيد أحمد بمب ولد بايه، القيادي البارز في المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بولد الطايع، حيث أقيل بطريقة أكثر من مهينة من منصبه واليا لتيرس الزمور، وعين خلفا له شاب لا تجربة له في الإدارة، وكأنه يراد أن يقال له إن مكانه يمكن لأي كان أن يشغله !!!.
يكاد المراقبون يجمعون على أن ولد عبد العزيز شخص ماهر بعقلية المجتمع الموريتاني، ومتمرس على آليات التحكم في السلطة، بحكم مرافقته لولد الطايع لسنوات، وقربه من صنع القرار على مدى 30 سنة خلت، لذلك فقد تعمد ولد عبد العزيز عدم خلق مناطق نفوذ محمية لرجالاته، حتى لا يشعر أحد منهم أنه بمنأى عن الإقالة، وحتى لا يتجاوز حدود المرسوم له من صلاحيات، ونفوذ..، وفي المقابل دأب ولد عبد العزيز على خلق زعامات من لا شيء، بمعنى أنه يعين أشخاصا لا يعرفهم الناس على نطاق واسع، ولا ماضي لهم في الإدارة، ولا في الحظوة، وكأنه يريد إعطاء انطباع بأن الجميع مؤهل للتعيين مهما ضعفت مؤهلاته التقليدية لذلك، والجميع كذلك مهيؤ للإقالة مهما حسب نفسه محصنا منها، وهو تكتيك استفاد منه ولد عبد العزيز في مركزة كل القرارات المهمة بيده، وجعل هاجس الخوف والطمع يتحكم في الجميع.
فلا هندسة اتفاق داكار أنقذت ولد الرايس، ولا الإمساك بملف الحوار مع المعارضة وفر حصانة لولد محمد لغظف، ولا متابعة أدق تفاصيل تحضيرات القمة الإفريقية جعلت ولد أحمد إزيد بيه بمنأى عن الإقالة، ومع كل ذلك، يرى البعض أن ولد عبد العزيز لا يتخلى عن رجالاته، وإن بدا ذلك للعامة، بل إن هذه الإقالات تأتي ضمن إعادة تدوير للزوايا، وإعادة انتشار سياسي، تمهيدا لتكليفهم بأدوار لاحقة.