إذا كان الإعتراف هو سيد الأدلة حسب فقهاء القانون الوضعي فإن رفعنا لراية "الجمبير" هو إعتراف بالذنب حسب فقهاء قانون ملاك العبيد، الجمبير لمن لا يعرفه هو الرفض المستميت والمتكرر من طرف أبناء العبيد والعبيد السابقين "لحراطين" للمنظمومة الفكرية والعقدية والإستعبادية التي يتباكا عليها الرجعيين والنفعيين من البيظان ومن على شاكلتهم من لحراطين وفقهاء النخاسة وأئمة القمح وقضاة النار والعار.
لقد بلغ "الجمبير" ذروته واستفحل أمره حين إتخذ أبناء العبيد والعبيد السابقين الفكر الإنعتاقي والزعيم بيرام كنبراسا يهتدي به من أجل نيل الحقوق المهضومة والمهدور، ومن أجل إسترجاء الكرامة المسلوبة منذ داستها أقدام الإقطاعين والإستعبادين وجعلتها ركاما تذره رياح شمامة واحراش إنشيري وجبال الحوضين وتضاريس لعصابة وتيرس.
لم تكن قافلة العبودية العقارية التي نظمتها حركة إيرا رفقة شقيقاتها من منظمات حقوق الإنسان مؤخرا سوى تجليا صارخا من تجليات "الجمبير" فقد قامت القافلة بتحفيز شامل حول خطورة العبودية العقارية والتي تتفشى في مجتمعنا الرجعي بصفة فاضحة ومذهلة.
لقد وضع الإسلام حلا واضحا وكافيا لمشكل العبودية العقارية حين قالوا وبصريح العبارة (أن الأرض لمن أحياها)، ولذلك كان حريا بدولة تدعي نشر الإسلام والدفاء عنه أن لا تصتدم بتعاليمه كي لا يقال أنها تتخذ منه حصان طروادة ورغم أن "الحراثين"، وهي أصل كلمة حراطين حسب المؤرخ الكبير أبو علي الفاسي في كتابه (منهج الإستقلالية)، وأكدها أيضا المؤرخ الترماني في كتابه (الرق ماضيه وحاضره)، ينحدرون من شريحة لحراطين فإن المحاكم الموريتانية لم تسجل حكما واحدا لصالح أحد لحراطين، والقريب جدا هو أن كل حالات التقاضي التي تحصل بين الحرطان وسيده الحالي أو السابق، رغم أن القوانين الموريتانية والتي هي رهينة للقبيلة والجهوية والعنصرية والزبونية لم تعطي للحراثيين أملا في الإستفادة من أراضيهم وأحقية ملكية التصرف فيها حيث تلقى الملكية التقليدية الأصلية للأرض وتعطي رخص لمن أراد من الإقطاعين حبا وكرامة، والأرض لمن أحياها ردحا من الزمن بقض النظر عن لونه وعرقه.
لقد أكرت القافلة صفو حكام ولاية اترارزة فأعطوا أوامرهم الصارمة لكبير الجنود للتعرض لها والتنكيل الشامل لعنصر لحراطين المشاركين فيها خاصة وأغتيادهم إلى مخافر الدرك، وقد طال الإقتياد والتنكيل الزعيم بيرام رغم أنه لم يشارك في القافلة إلا أنه يشترك مع أهلها في "الجمبير" بعد يومين من التوقيف في زنازين الدرك النتنة قامت الدرك بشبه إستجواب لنا حيث كانت جل أسئلة ضباطها تتمحور حول القبيلة وخطورة "الجمبير" عليها وما يترتب على ذلك من العقوبات، وفي اليوم الرابع تم إغتيادنا مساءا إلى مركز آخر للدرك لنتفاجأ بوجود الرئيس بيرام ونائبه ابراهيم وبعض مناضلي التيار الإنعتاقي عند مخفر آخر للدرك ليتم إغتيادنا جميعا إلى محكمة روصو حيث اتهمنا الوكيل ضمنيا "بالجمبير" والتحريض عليه ثم أحالنا إلى قاضي التحقيق والذي بدوره أمر بإيدائنا للسجن قبل ان يحيلنا إلى محكمة الجنح بتهمة غير معلنة وهي الإعتراف "بالجمبير" والتحريض عليه، ورغم أن محضر الدرك المتهافت والذي لا يستند على دليل معنوي أو مادي، وهذا ما أجاد فيه لفيف المحامين الموقر وأفاد من خلال مرافعات قيمة كانت أشبه ما تكون بمحاضرات حول الوحد الوطنية والتعايش السلمي في ظل دولة القانون والحريات.
وبما أن محاضر الضبطية القضائية خالية من الصحة شكلا ومضمونا وعارية من الأدلة ومليئة بالأخطاء والمغالطات كما صرح بذلك ممثل النيابة العامة وعلى عيون الأشهاد فإن القاضي الجالس لم يجد الشجاعة الكافية ليبت ببراءتنا على الكراسي ويعيد للعدالة شرعيتها وقدسيتها المفقودة، ولكن أعطى لنفسه مهلة غير عادية بتقييد حرية أناس مظلومين حسب كل الأدلة والقرائن:.
عابدين سالم معط الله
قيادي في حركة إيرا
من سجن روصو المدني.