افتقاد التمويل وتجفيف المنابع يهدد العمل الإعلامي في موريتانيا

خميس, 2018-05-03 11:30

شهدت بلادنا خلال العشرية الأخيرة انفتاحا إعلاميا كبيرا توج بقانون تحرير الفضاء السمعي البصري وإطلاق عدد من القنوات والإذاعات الخاصة.

وقد تربعت بذلك على مؤشر الحريات الصحفية في العالم العربي منذ ذلك التاريخ، وشهد الإعلام الوطني طفرة كبيرة، غير أنه عرف خلال السنة الأخيرة تراجعا حادا على مستوى المضمون، والمخرجات، فضلا عن تمييع الكادر البشري، وانهيار البنية المؤسسية.

وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة فإننا في نقابة الصحفيين الموريتانيين نؤكد على عملنا الدائم من أجل حماية حقوق الصحفيين والدفاع عن مطالبهم العادلة والمشروعة، ونلفت انتباه الحكومة الموريتانية إلى الوضعية المزرية التي يعيشها الإعلام والعاملون به في موريتانيا.

وقبل أن نتحدث عن أوضاع الصحفيين في موريتانيا خلال العام 2017 نذكر بقضية زميلنا الصحفي إسحاق ولد المختار الذي فقد في سوريا أثناء تغطيته للأحداث في مدينة حلب رفقة زميله المصور اللبناني سمير كساب وسائقهما السوري.

إن نقابة الصحفيين الموريتانيين تجدد نداءها الدائم لكافة الجهات الرسمية والشعبية لتكثيف الجهود للوصول إلى معلومات عن وضعية الزميل إسحاق وطاقمه، وضمان عودته في أسرع وقت إلى عالته وزملائه ووطنه.

لقد شهد العام 2017 العديد من الأحداث والاعتداءات بحق الصحفيين الموريتانيين شملت الاعتقال والضرب ومصادرة المعدات الصحفية واستخدام الغاز المسيل للدموع، ورغم خلو السجون من أي صحفي، ومحافظة بلادنا على تصنيف جيد على مؤشر الحريات الصحفية في العالم.

فإن نقابة الصحفيين الموريتانيين قد سجلت العديد من حالات الاعتداء على الصحفيين خاصة أثناء تغطية الأنشطة المناهضة للتعديل الدستوري الأخير، وقد سجلنا خلال العام المنصرم أربعة حوادث منفصلة تم خلالها الاعتداء على الصحفيين بالضرب والاعتقال ومصادرة المعدات، كما تم وضع أربعة صحفيين تحت الرقابة القضائية على خلفية تهم تتعلق بتمويل صحفهم، وعليه فإن نقابة الصحفيين الموريتانيين تدعو السلطات الموريتانية إلى تعزيز ثقافة الحريات داخل الأجهزة الأمنية والإدارية للدولة التي ترتكب مثل هذه المخالفات بحق الصحفيين بشكل دوري .

إن نقابة الصحفيين الموريتانيين تسجل باعتزاز المكانة المرموقة التي وصلت إليها الحريات الصحفية في بلادنا نتيجة عقود من النضال الصحفي، لكنها تؤكد على وجود أزمات بنيوية لا يزال يعاني منها الإعلام الموريتاني إذ لم توقع مؤسسات الإعلام الرسمية على دفتر الإلتزامات، وبقيت مؤسسات الإعلام الخاص ضعيفة وتفتقر لأبسط الوسائل والمقومات وهو ما يدفع ثمنه الصحفيون.

لقد شهدت الفترة الماضية تجفيفا لمنابع التمويل الصحفي ولم تنفذ أي من التوصيات الواردة في نتائج المنتديات العامة لإصلاح الصحافة التي تم تنظيمها في العام 2016 .

وتسجل النقابة بارتياح كبير إصدار قانون الإشهار وتدعو إلى الإسراع في تطبيقه.

وقد تميز العام 2017 كذلك بإغلاق القنوات التلفزيونية الخاصة بسبب مشاكل مالية مع شركة البث العمومية، وهو ما كان له أثر سلبي على الإعلام في موريتانيا، وفي هذا الصدد تسجل نقابة الصحفيين الموريتانيين انزعاجها الشديد من دفع عشرات الصحفيين ثمنا باهظا لتوقف هذه القنوات فقد أصبحوا دون عمل منذ عدة أشهر وتطالب بإيجاد حل سريع لهذه الأزمة وعودة القنوات التلفزيونية الخاصة المغلقة خدمة للتعددية والحرية.

إن افتقاد التمويل وتجفيف المنابع يهدد العمل الإعلامي في موريتانيا وينذر باختفاء الإعلام الحر والمقاولات الصحفية الخاصة، وهو ما يستدعى من السلطات الموريتانية التدخل العاجل لإنقاذ الحقل عبر إيجاد آلية لمساعدة المؤسسات الصحفية الجادة وتشجيع المقاولات الصحفية نظرا للأهمية الكبيرة التي يمثلها الإعلام في تحقيق التنمية والديمقراطية ودولة القانون.

وتؤكد نقابة الصحفيين الموريتانيين أن الحقوق المعنوية والمادية للصحفيين في موريتانيا تعيش وضعية مزرية، إذ لا يغطى الضمان الاجتماعي سوى عدد قليل من الصحفيين، ولا يوجد أي ضمان اجتماعي للصحفيين في الإعلام الخصوصي، فضلا عن وجود عشرات المتعاونين في مختلف مؤسسات الإعلام دون حقوق، ويعملون في وضعية أشبه ب"الاستغلال".

وتندد نقابة الصحفيين الموريتانيين وبشدة بحالات الفصل التعسفي التي تمت خلال العام الماضي بحق الصحفيين، والتي انضافت إلى إحدى أشهر حالات الفصل التعسفي في البلد والمستمرة منذ سنوات رغم حكم محكمة الشغل فيها لصالح الصحفي المفصول، وتدعو النقابة المؤسسات الإعلامية إلى حماية حق الصحفيين العاملين، وصرف حقوق المتقاعدين في الآجال القانونية المنصوص عليها.

إن المسؤولية الاجتماعية للدولة تقتضي التدخل فورا لمعالجة مطالب الصحفيين الملحة في مؤسسات الإعلام، وحماية المكتسبات التي تحققت عبر خلق آلية تمويل مناسبة تطور الإعلام الوطني وتنقذه من حالة الموت السريري التي يعيشها.

وتسجل نقابة الصحفيين الموريتانيين بانزعاج شديد جرجرة الهيئات الصحفية الجادة والتي تعمل من أجل إنقاذ الحقل الصحفي أمام القضاء، إضافة إلى تمييع صندوق دعم الصحافة، وحرمان الهيئات الجادة من التمثيل فيه، وإقصائها من الدعم لهذا العام.

وتعزيزا للحريات الصحفية في بلادنا نظمت نقابة الصحفيين الموريتانيين مؤتمرا لتوقيع ميثاق الحريات الإعلامية في العالم العربي في 26 يناير الماضي بحضور رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين وعدد من الوفود العربية والأفريقية، وقد توج هذا المؤتمر بلقاء مع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، والذي أكد خلال اللقاء على موقفه الشخصي الداعم لحماية الحريات الصحفية في بلادنا.

وتأسيسا على ما سبق فإننا في نقابة الصحفيين الموريتانيين تطالب الحكومة الموريتانية والزملاء الصحفيين والرأي العام الوطني بضرورة العمل الجاد من أجل حماية المكتسبات التي تحققت في مجال الإعلام، وتدارك ما تبقى من مؤسسات صحفية قبل انهيار الحقل نتيجة سياسة التجفيف القاتل التي يعاني منها جميع منسبي الحقل، والتي لا تخدم الإعلام الوطني الجاد، إعلام نريده له أن يكون ناطقا باسم الحق، وضمير الأمة، وصوتا للشعب.

نقابة الصحفيين الموريتانيين نواكشوط: 03/ 05/ 2018