نعم لقد اشتقت حقا إلى أن أكتب لعلي أصادف في هذا الفضاء الأزرق الواسع عقلا لا يزال يتذوق المنطق ويفرح بقراءته أو سماعه، عقلا نقيا من جميع الشوائب وسليما من كل فيروسات التعطيل، بعدما قضيت فترة أحسب أنها كافية ولا أزكي نفسي على الله كما لا أزكي على الله أحدا، وأنا أجوب شوارع الفيسبوك التي ضاقت بالجميع وازدحمت بالجالسين للتهارش والتنابز والتراشق بالعبارات السافلة، أكثر من إكتظاظ وازدحام سوق العاصمة نفسه -وقد نهى رسول الله عن الجلوس في الطرقات- وليتها اكتظت وازدحمت بالمفيد، لعلني أجد ضالتي في ذلك الشخص العاقل النابه الذي سيريحني من هم الكتابة لأكتفي بمتابعته، والذي تشتم من رائحة عبق كلامه أنه من رحم هذا الوطن دون زيف ولا تدليس وتلبيس ومن عصارته التي امتدت إليها أيادي الجميع لتتسابق إليها ناشدة كنف اللحمة ودفء الوحدة، لما يملكه هذا الشخص من سحر كلام منطقي أخاذ يجسد مربط الحكمة في أسما تجلياته، حيث يلامس تأثير كلامه عقول وقلوب الجميع، كعلاج لها مما أصاب المجتمع من أمراض نفسية بالغة الخطورة والتعقيد، وبل ويتجاوز إلى حمايتها من عودة تلك الأمراض الفتاكة من جديد.
ما علينا!
لقد كان هذا حلما تشكل لدي قبلا دون ملامح تستطيع التعبير، ليتضح أكثر فأكثر خلال فترة التربص والبحث التي خضت غمارها بزاد العقل في هذا العالم الأزرق، لأكتشف بكل خطوة فيه قضية جامعة توزعت إلى ألف ألف قضية بعدد حامليها حتى أصابها الشتات والوهن ولبست ثوب البلية، وغير القضية وجدت الرويبضات تبوؤوا مناصب العلماء والقضات، ووجدت التجريح الصريح يجوب الشوارع أسرع من الريح وسط الصرخات المتعالية من هذا وذاك ومن هنا وهناك، وكأننا في حرب ضروس بين أكثر من جيشين كل منها يريد إبادة الجميع، وعندما تسأل عن السبب تصيبك الصدمة بكونه الاختلاف.
نعم إنه الاختلاف الذي هو سنة هذا الكون ومصدر تشكل لوحته الفنية التي اعجزت كل رسام وزينته وسر التطور فيه، والذي لولاه لما كان الاختيار بل لما كان أصلا هناك وجود للاحتمال، بل لما كان للكون وجود أصلا فضلا عن وجودنا ووقوفنا بسبب الاختلاف شتاتا في وجه اللحمة والتناسق للتكامل من أجل الوحدة بدل النفور كما هو ساري.
فنحن كعضو جسد من هذا الكون إن لم نكن أهم عضو فيه، ولم أرى يوما جسدا تتناثر أعضاءه إلا بفعل إحدى مسببات الوفاة، فانتبهوا!.
اختلفنا!
وليتنا اختلفنا بفعل آراء بعيدة عن اللون والعرق والجهة لأن هذه الأمور أصل سابق على الاختلاف وصفات ثابتة في حق صاحبها كحقيقة سبقت ولا تقبل التغيير، والخوض فيها لا يعدو كونه تجريح وقدح واعتراض على سنة الله في خلقه، ولا أرى من بيننا عاقلا إن وجد يتلذذ لسانه بالخوض فيها جدلا عقيما.
ليتنا اختلفنا فكريا وحتى عقائديا وبقينا لحمة تجسد تكامل وتناسق الجسد تعبيرا عن السلامة والصحة والأمن.
ليتنا تجاوزنا الأشكال والألوان باعتبارها محددات للتمييز لا للتمايز، كما يميز بعضنا بعضا بالاسماء رمزا لا دلالة.
ليت أحمد لدينا بأخلاقه وباستقامته وصلاحه وعصاميته، بدل أن يكون بلونه وعرقه وجهته وعظاميته.
وليتنا حقا نقرأ.
محمد الشيخ.