
فى نهاية القرن التاسع عشر حين كانت العنصرية ضد اليهود تضرب أطنابها و لا تحرك ضميرا و لا تسبب إستنكارا فى أوروبا وقع نقيب يهودى من الجيش الفرنسى يدعى دريفيس ( Dreyfus ) ضحية مخطط تآمرى من طرف زملائه و قادته حيث إتهموه ظلما بالخيانة و التخابر لصالح ألمانيا
فأودعوه السجن بعد محاكمة صورية و جردوه من جميع رتبه و أوسمته ... صادف هذا الحكم هوى فى نفوس الفرنسيين وقتها لأنه جاء مطابقا للصورة النمطية التى كانت عندهم عن اليهودي المخادع الغادر و الماكر.
كادت القضية تمر كما كان مدبرا لها ليقتل هذا الانسان البرىء رميا بالرصاص أو يقضى بقية عمره فى السجن لولا ان رجلا لم يخرج على السياق العام و لم يسبح ضد التيار مناصرا للحق منافحا عن المظلوم و لو دفع فى سبيل ذالك أغلى الأثمان هذا الرجل ينتمى إلى فئة نادرة و معدن نفيس ممن يسميهم الفرنسيون أهل الحق (les justes ) إنه أميل زولا ( Emile Zola) أحد عمالقة الأدب العالمى الذى وظف قلمه و شهرته للدفاع عن هذا الضابط فكتب رسالته المشهورة بعنوان " أتهم " (j’accuse ) التى أصبحت من روائع الأدب و التى دافع فيها دفاعا مستميتا عن دريفيس حتى تمت تبرئته و أعيد له الأعتبار و عوقب من تسببوا له فى محنته هذه.
فى حرب التحرير الجزائرية قاتل فرنسيون بالسلاح و منهم من مات على أرض المعركة مع ثوار جبهة التحرير ضد جيشهم الغاشم المستعمر مناصرة للحق و مؤازرة للمظلوم و لو كان ضد دولتهم و أغلبية شعبهم.
فى حرب فيتنام رفض كثير من الأمريكيين الإنخراط فى الجيش لأنهم إعتبروا الحرب ظالمة .
فى فترة الآبرتيد فى جنوب إفريقيا وقف بعض البيض مع الأفارقة السود مثل المغنى جونى كليگ الذى جاب العالم و نظم حفلات غنائية للتنديد بنظام الميز العنصرى .
و الأمثلة كثيرة على أشخاص إعتبروا أن المواقف السياسية و الإنتماءات العرقية و الدينية لا تبرر لنا أن نفترق حول الحقوق الآدمية و الكرامة الآنسية و الوقوف بجانب المظلوم مهما كان بعده و مقارعة الظالم مهما كان قربه
و كل هذا تعبر عنه الآية الكريمة " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين "
لذالك فإننى أرى أن أسخف ما كتبه العرب هو هذا البيت
و ما أنا إلا من غزية إن غوت غويت و إن ترشد غزية أرشد...
طاب مساؤك