على هامش وأحيانا في متن النقاش المرافق لقضية الإساءة والمسيئين يتحدث عديدون عن الاسلام وعلاقته بالمظالم الإجتماعية التي عرفتها التي عرفتها وتعرفها هذه البلاد ويبدو السباق محتدما بين تيارين؛ يركض أحدهما متعطشا لتسجيل أهداف فيما يعتبره عش الرجعية والتخلف والظلامية، فيما يحاول الآخر جاهدا تغطية كل السلوكات والممارسات الظالمة والمنحرفة بغطاء إسلامي حتى يجعلها في منأى عن تناول من يعتبرهم طابورا خامسا وامتدادا لقوى التغريب والميوعة والانحلال.
ومع أن السباق يجري على أرضية مبللة بالكثير من العقد والحسابات الدفينة والجارية، لكنه سباق خطير حري بكل شركاء الوطن التدخل لوضع قواعد لعبه، والبحث له ربما عن أرضيات وحكام وقواعد لعب تحميه من الانزلاق.
و في انتظار ذلك، أو بالأحرى إسهاما فيه، استأذن في تسجيل نقاط سريعة:
أولا: لابد أن نذكر ونذكر بأن العبودية والعنصرية والطبقية ظواهر إنسانية صاحبت البشرية منذ القدم وتلبست بها كل المجتمعات بكل تلاوينها وفي كل حقبها.
وهنا في موريتانيا فشت هذه الظواهر وعمت مختلف المناطق والأعراق منذ القدم، وهي ممارسات ظالمة جائرة خارجة على القيم ومخالفة للشرع.
ثانيا: من الضروري امتلاك الشجاعة للقول إنه برغم أن الإسلام دين العدل والحرية والتحرير ، وبرغم الازدهار المعرفي الذي عرفته هذه الربوع في القرون الماضية لكن الحالة الفقهية السائدة تعايشت- في عمومها- مع المظالم بل حاولت أن تشرعها وأن تكسر أعناق النصوص الشرعية لتطويعها مع الواقع الاجتماعي المختل والمنحرف عن أصول الشرع وقيمه وأخلاقه.
ثالثا: من الاساءة للاسلام ولضحايا الظلم فيءان محاولة ربط الممارسات الخاطئة لبعض المسلمين بالاسلام ،ومحاولة العبور منها لتنفير الناس من الاسلام وتشكيكهم في صدقية وجدية أي منطلق من مرجعيته في حمل راية الحرية والعدل.
إن خطاب الوقيعة بين الاسلام وضحايا المظالم الاجتماعية يمثل في الواقع جرما لا يقل عن جرم ممارسة الظلم على هؤلاء باسم الاسلام.
والمجرمون في الحالتين يمارسون دور الوصي على الاسلام وضحايا المظالم في الوقت نفسه( يحجب عنهم الظالمون باسم الاسلام جوانب العدل والكرامة ليطيب لهم الاستغلال، ولتوفير حماية لارث المظالم المشين، ويجحدها وينكرها الظالمون باسم الحداثة واللائكية حتى يسهل صد الضحايا عن السبيل الاسلامي واستغلالهم في معركة تحييد الاسلام عن الشأن العام )
رابعا: تحتاج المظالم الاجتماعية في هذه اللحظة الفارقة من لحظات التحول الاجتماعي إلى حلف فضول عاجل بين تيارين وحدهما من يستطيع الوقوف في وجه التيارين أعلاه ( تيار تحصين المظالم ، وتيار وضع الاسلام في موضع اتهام ،وهما بالمناسية تياران متناقضان ظاهريا متحالفان موضوعيا.)
طبعا حين أقول تيارين لا أقصد المعني الإيديولوجي بالضرورة وإنما أقصد بمعنى الرؤية الحقوقية
أما التياران المرشحان من وجهة نظري للوقوف في وجه التيارين السابقين فهما :
- ذاك التيار الحقوقي المنطلق من وعي حقيقي بالمعضلة الإجتماعية وبجذورها العميقة وبحاجة ضحاياها لكل ما يسندهم ويسعفهم في مسيرة التحرر وأوله وأهمه الاسلام الذي حاول ويحاول البعض الاتكاء عليه في الظلم والبغي رغم افتضاح وهشاشة تلك المتكئات.
وثانيهما: أصحاب المشرب الإسلامي التحرري التجديدي الذين يؤمنون أن أولى أولويات الاسلام في هذه الربوع اليوم التحرير والعدل ومحاربة العبودية والطبقية والعنصرية ورفع الالتباس وفك الارتباط مع المقاربات التي قدمته للناس كما لو كان المعني الأول باستدامة المظالم.
إن حلفا على هذه الأرضية يبدو لي الآن ضروريا ليس فقط للدفع قدما بقضية العدل ،وإنما قبل ذلك ومن أجله لتثبيت مكتسباتها التي تحققت بشق الأنفس خلال العقود الماضية ... فهل ترانا قادرون على انجازه في هذه اللحظة المرتجة التي يجنح فيها المناخ السائد بكل أسف لتسجيل النقاط والأهداف الوهمية في مرمى الخصوم الوهميين.