لا تزال مدينة روصو عصية على التغيير، فالعقود الثلاثة التي مرت على أول محاكمة للنشطاء الحقوقيين من حركة الحر المدافعة عن شريحة لحراطين في موريتانيا لم تغير كثيرا،
من ملامح المدينة، لا يزال النهر يتكفل بأغلب أرزاق المدينة،
ولا يزال غبار الطين المتكسر والبعوض يتكفلان أيضا بأغلب أمراض الساكنة يستيقظ الناس في روصو، ليخرجوا من ربقة الناموسيات، لينطلقوا أفواجا إلى الشاطئ إما مزارعين يسقون من مياه النهر آمالهم في أمن غذائي أو تجارا يستقبلون الصادر والوارد من ضفتي النهر بالبضائع والابتسامات.
موريتانيا مصغرة
تمثل مدينة روصو موريتانيا المصغرة، حيث تتعايش فيها مختلف القوميات الموريتانية، ويصل الأمر حد تبادل الأسماء وتداخلها، بين الشرائح المكونة للنسيج الموريتاني، وكما يظهر النسيج الاجتماعي في موريتانيا المصغرة (روصو) تظهر بقية الأزمات الأخرى سواء تعلق الأمر بانهيار التعليم في المقاطعة، أو ضعف الخدمات الصحية، أو العجز الرسمي عن توفير الماء الصالح للشرب أو حتى انتشار الجريمة والأمية، وسيطرة رجال الأعمال الوافدين من الشرق والشمال.
محكمة "النشطاء"
تشهد مدينة روصو يوم الأربعاء القادم المحاكمة الثانية لمجموعة من الحقوقيين المنتمين إلى شريحة لحراطين والمدافعين عما يعتبرونه الحقوق المسلوبة.
وباختلافات في أسماء قضاة المحكمتين والمحامين والمتهمين، فإن التهمة تكاد تكون متساوية بل متطابقة، وتأتي عقب أحداث مماثلة، الأولى كانت في نواكشوط سنة 1981 عندما احتج نشطاء حركة الحر على حادثة إرغام مستعبدة في نواكشوط على إرضاع ابن سيدها بدل ابنها ودخلوا في صدامات مع الشرطة في حي لكصر قرب مركز الإطفاء، قبل أن ينقل المعتقلون منهم إلى مدينة روصو ليخضعوا لمحاكمة عسكرية.
كان من بين الموقوفين حينها كل:
رئيس حزب الوئام حاليا بيجل ولد هميد
رئيس منظمة نجدة العبيد حاليا بوبكر ولد مسعود
الوزير السابق محمد ولد الحيمر
البشير ولد أنمراي
المولود ولد الداه
الوزير السابق عمر ولد يالي
أم العيد افال
أم البركة سي
أفرجت السلطات الموريتانية عن السيدتين وحولت المعتقلين إلى روصو حيث خضعوا لمحكمة عسكرية برئاسة الجنرال المتقاعد أحمد ولد بكرن، وعضوية الضباط جدو ولد حكي، وأحمد ولد ابراهيم السيد، أحمد الطلبة ولد المعلوم، وافال أحمد.
وجد المعتقلون في المحاكمة فرصة لدفاع عن شريحتها ومواقفها السياسية والاجتماعية، كما استمات فريق المحامين في الدفاع عن المعتقلين وكان من بين أبرز المحامين:
النقيب السابق أحمد ولد يوسف ولد الشيخ سيديا
مستشار رئيس الجمهورية الحالي ابراهيم ولد داداه
العميد يعقوب جالو
رئيس وكالة التضامن حاليا المحامي حمدي ولد المحجوب
الوزير السابق المحامي جاكانا معروفا
المحامي السنغال آتوكان جالو
فيما رفض محاميان بارزان أحدهما عضو حالي في مجلس الشيوخ الدفاع عن "العبيد الآبقين" وفق تعبيرهما.
وانتهت المحاكمة بأحكام بالبراءة لبعض المعتقلين، وأحكام أخرى بالإدانة مع وفق التنفيذ.
لكنها في المقابل فتحت بوابة إجراءات قانونية ضد العبودية، كان من أبرزها قانون تجريم الرق، ولاحقا قانون الملكية العقارية، ولد القانونان ميتين، ولذلك لم يستطيعا حلحلة المشكل.
بين الحاكم والعمدة
في محاكمة 1981 كان رئيس حزب التحالف الشعبي مسعود ولد بلخير حاكما لروصو، حيث كان يحضر جلسات المحاكمة بصفته الرسمية، لاحقا سيكون ولد بلخير رئيسا لحركة الحر، أما الآن فإن عمدة روصو سيدي جارا ينتمي هو الآخر إلى شريحة لحراطين، وإلى حزب الوئام.
بين المحاكمتين
يمثل بيرام ولد الداه ولد اعبيدي ومجموعة من رفاقه أمام المحكمة يوم الأربعاء القادم بتهمة التحريض على العنف وممارسة الشغب وممارسة أعمال غير مرخصة تخل بالأمن العام، ويلتقي بيرام ورفاقه مع سلفهم المحاكم سنة 1981 في ذات التهمة، مع اختلاف قليل في السياقات، حيث تأتي محاكمة بيرام بعد اعتقالات عديدة، وأزمات ولقاءات متعددة مع رئيس الجمهورية إضافة إلى علاقات متعددة التفسيرات.
أما بالنسبة للمحاكمة السابقة فقد كانت بداية حوار مع السلطة أدت إلى تفكك حركة الحر ودخول عدد من قادتها في صف السلطة، وزراء أو مسؤولين وقياديين في الهياكل الشعبية أو الحزب الجمهوري.
بين الرئيسين
بين رئيسي البلد في فترتي المحاكمة شبه كبير، حيث يعمل الأول محمد خونه ولد هيدالة مستشارا لدى الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، يشترك الإثنان في أن كلا منهما وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري، كما يشتركان في التركيز على الشعبوية في الخطاب السياسي، وأخيرا في تحدي القوى الغربية، وفي تأزم العلاقة مع عدد من دول الجوار وخصوصا المملكة المغربية.
أما فيما يتعلق بملف الرق، فيشترك الرجلان في رصيد من الإجراءات الهادفة إلى القضاء عليه أو محو آثاره، بغض النظر عن فعالية تلك القرارات، ففي عهد ولد هيدالة بدأت محاكمات حقوقيي لحراطين، وتجريم الرق بقانون أو بنص الدستور، وبالعمل على تفكيك البنية التنظيمية للحقوقيين المناوئين للرق.
وفيما يقترب يوم الأربعاء، وتستعد روصو لمحاكمة بيرام ورفاقه، يواصل القرويون البسطاء حياتهم بين شاطئ النهر وضفاف البعوض، ذلك قدر روصو القديم، إنها تعاني الملاريا، تماما مثل الوطن.
المصدر: السراج الإخباري