المدن العريقة مثل النساء

أحد, 2017-08-27 18:00

المدن العريقة مثل النساء .. فيها كل الألوان و الأشكال .. سمراوات ، شقراوات .. طويلات ، قصيرات .. و فيها المتمردات والهادئات .. ولكل مدينة حكاية ، و لكل مدينة أسرار .. تماماً مثل المرأة .. ولكل مدينة -مثل جميع النساء - شعراء وأبطال وعشاق هاموا و ماتوا في حبها ! 
وبعض المدن تبتسم في وجهك مثل الجميلات  .. وبعضها مثل بعض النساء .. كئيب ، لل يفرح عندما يراك ! 
كتب نزار قباني عن مدينته دمشق فصورها كعروس عذراء بتاج الملكات  .. وكتب همنغواي عن باريس فعشقناها كعشقنا لبعض النساء .. وعندما كتب تولستوي عن مدينته تمنينا لو نزورها .. وعلى عكس ماوقع مع دوستويفسكي عندما زار برلين لأول مرة .. خرج منها في نفس اليوم الذي دخلها فيه .. عائدا إلى مدينته .. حزيناً مهموماً ، مصدوماً .. لقد رفضته وطردته بعيدا .. بالضبط كما تفعل بِنَا بعض النساء ! 
أعزائي اكتب لكم من الشمال الغربي لإيطاليا وبالتحديد من مدينة تورينو .. هذه المدينة التي كانت  إلى عهد قريب هي العاصمة الأولى لإيطاليا وهي واحدة من اهم مدنها و أجملهم على الإطلاق .. هذه المدينة التي تعتبر المقر الرئيسي للصناعة في هذا البلد ، وفيها المركز الرئيسي لأهم ماركاتها التجارية ، و هي المقر الرسمي لأحد اعرق وأهم الأندية الأوروبية .. هنا عاصمة البيتزا واسباگتي و الكابوتشينو ..هنا لا وقت محدد لتناولهم .. الصباح المساء .. كل الأوقات ! 
هنا شهدت أوروبا ميلاد نهضتها العلمية والثقافية  .. هنا قررت الطلاق النهائي مع الجهل والتخلف و نسيان أيامها السوداء من تاريخ البشرية ! 
هنا تختلط دماء جميع الأمم والحضارات  :العربية والإغريقية والفينيقية .. و لذلك فأشكالهم لا تشبه بقية الشعوب الأوروبية .. فالألوان شرقية، والعيون، وكذلك لون الشعر .. و نبرتهم الحزينة وكأنها تعزف على آلة موسيقية .. فعندما يتكلمون يخيل إليك أنهم يغنون و بأنهم سيرقصون .. 

سألت إحداهن عن الطريق إلى قلب المدينة .. ولقد اخترتها من بين العشرات عند المحطة  .. فشكلها الذهبي الممزوج بقطرات أوروبية بيضاء .. جعلها تبدو من قريب كلوحة مسروقة من خزائن المتاحف العربية .. وعندما بدأت تشرح لي بلغتها و مع القليل من الإنكليزية .. كانت و كأنها تغني .. فتظاهرت بالغباء حتى لا تتوقف ... لكنها فجأة توقفت ، ثم ودعتني .. وكنت اتمنى أن لا تفعل .. وبقيت ورائها حائراً .. فلم أعد اعرف أيهما قد سحرني : المدينة أم دليلتي !!

نقلا من صفحة أحمد أعبيدي