أنا كنتُ في نواكشوط في يونيو الماضي، إبان "الانتخابات" الرئاسية. ها هي الأحداث: قام الجنرال محمد ولد عبد العزيز بتزوير انتخابات في وضح النهار. زعَمَ أن نسبة الاقتراع وصلت إلى 56 بالمائة في يوم لم يذهب فيه إلى مراكز الاقتراع إلاّ زُوّار النواويس. ملَفِّق دولي.
ولكن لا بد لنا من خلفية لهذا: حدثَ هنالك فشل كبير للجنرال عزيز. في 2013 خرّجَ هذا الرجل المعارضة من المشهد السياسي في مؤامرة قبلت بها المعارضة البديلة، وتمّ فيها تبديل المجتمع السياسي المحترف بهواة لا ماضي سياسي لهم؛ وتمّ فيها استبدال الشراكة السياسية بمسرحية سياسية. وقد اعتقد الجنرال عزيز أن هذه الشراكة البديلة والمصالح المشتركة ستنفعُ في تقديم مرشح رئاسي ذي مصداقية لكي يسحقه عزيز بقوة الإدارة والدولة ويُصَفِّق له البلهاء وبنات الحي والاتحاد الأوروبي (الذي ظهر مؤخراً أن الجنرال عزيز كان يُعوِّلُ عليه في "اوقيص" من المال).
وكانت المفاجأة أن الإسلاميين الذين شاركوا في الانتخابيات التشريعية والبلدية وآبوا منها بمنابر وقائمة أجور، قد عادوا وقالوا إن المشاركة في الرئاسيات غير شرعية، وبدأوا في الإعداد للاحتجاج عليها مع المعارضة! أما التحالفيون الذي عادوا بغنائم أقل من التشريعيات البلديات فقد سحبوا أيضاً استعدادهم للترشح للرئاسة، وإن بضجة أقل. ولكنهم آووا إلى الجبل وقالو إنهم يخافون الله رب العالمين. وقصة "الخب والمغفل" في كتاب "الشامل" مهمة لأنها تقول لنا أنه لا يمكن خداع "المغفل". أُسقِطَ في يد الجنرال.
وفي غياب مسعود ولد بولخير ومحمد جميل منصور كان على الجنرال عزيز أن يبحث عن مرشح ذي مصداقية. ولا بدّ أن استعداد الأستاذ بيرام ولد اعبيدي كان منقذاً. ولكن فقط من الوهلة الأولى. فبإمكانيات ضعيفة وبحملة مُوِّلت من قبل المشتركين الضعفاء من العمال والمضطهدين وبخطاب هجائي ونقدي لاذع استطاع ولد اعبيدي أن يكون مُرشّحاً ملحوظاً. وبالتالي صار خطراً.
هذه نفس قضية أحمد ولد داداه، ونفس قضيّة الشبيه ولد الشيخ ماء العينين، ونفس قضية أيمن نور: الديمقـ/ديكتاتورية سرعان ما تكشف عن أنيابها عندما يُهدِّدُها مرشح راديكالي صاعد. وبالتالي فهي تسجنه مباشرة بعد أشهر من الانتخابات.
لقد حضرتُ بعض الصالونات السياسية فيما بعد الانتخابات. قد تصاعد الخطاب الأمني والعنصري في الأوساط الحاكمة أو في أوساط المحتمين بالنومنكلاتورا. لقد تمّت المطالبة بوقف المد الراديكالي الحرطاني. المطبخ السياسي هو نفسه المطبخ الطائعي: يشتغل بنفس الذاكرة وبنفس التكنوقراط الذين جُبلت عقولهم على ردات الأفعال بافلوفية: يحلِمون وقت الأمن ويسفهون وقت الخوف. بيرام هو حلقة أخرى من مسلسل رُهاب السلطة وخوفها من الآخر.
والآن ها هي فضيحة المجتمع السياسي: لم يتم السكوت عن اعتقال مترشح سابق للرئاسة كما يحدث الآن.
"جفت ضمائركم".
من صفحة الكاتب على الفيس بوك