كان لي صديق من بلجيكا يدرس الأدب و الثقافة الشرقية في العراق ، وكنت قد إستنجدت به يوم باعني العقيد الرئيس للجنرال المفلس و المدين إقطاعا ضمن المصرف و منقولاته و موجوداته ، ويومها لم يعجبني إقتراحه ولا رؤيته التي أصبحت حلا فيما بعد ولو مرحليا ، كان رد صديقي البلجيكي حين طلبت مساعدته للهروب من جحيم الجمهوري و الطائعي و الإقطاعي ، إن في موريتانيا الشمس و القمامة و هما أكثر مايميزها عن دول الجوار و أقترح عليك و انت المتخصص في إدارة الأعمال و المصارف أن تفكر في حل لمشاكلك المادية و المهنية عبر واحد من البديلين .. الشمس ..او النظافة ، لم يعجبني الرد حينها و كنت تحت صدمة و رحمة الجنرال الذي أسرني بضاعة عنده و أعتبرت مقترح صديقي البلجيكي تنكرا لصداقتنا و إزدراء بوطني و إن جار علي ، لاكنني كنت مخطأ و بعد إمتصاص الصدمة و التسليم بواقع الإستعباد الجديد و تحت تأثير عواطف و دموع أبي رحمه الله كان رأي البلجيكي هو المنقذ من الضياع و المسكن للأوجاع الى حين ، في تفرغ زينه كانت البداية مع المغسلة و الغسيل و كانت نواكشوط مقسمة الى كيتوهات جغرافية تسمى مقاطعات و هي في الحقيقة إستقطاعات إقطاعية تعكس عنصرية الدولة و المجتمع التلقائية و الأزلية ، في الميناء يقطن العبيد و العبيد السابقون و في السبخة يسكن خليط و أغلبه زنوج مع بقية من العبيد السابقين ، وكانت تفرغ زين على بعد أمتار جنة و سط ذلك الركام من الفقر و الجهل و الجوع و المرض و الجريمة و الكبة و الكزرة في الميناء و السبخة و الرياض و دار النعيم تجنيا على الجنة ، كانت تفرغ زينه فردوس نواكشوط خالصة للأغنياء و الأدعياء من الوزراء و السفراء و الخبراء و الكبرا ء و الأئمة و العلماء و الوجهاء و العقداء البيظان و من لحق بهم من العبيد و الزنوج الفقراء لخدمتهم مثلي أنا ، كان من أوائل الزبناء الذين كنت أقدم لهم خدمتي التنظيفية طبيب و جراح و قدراقت لهم الفكرة و الخدمة و خاصة لما علموا بأن في جعبتي مؤهلات جامعية و سرهم ذلك كثيرا و حز في نفوسهم ما تصنع هذه البلاد و شعبها و حاكمها و وجنرالها بكفا آتها العلمية و المهنية ، ومرت الأيام والشهور و أزداد الزبناء و تطورت الخدمات الى منزلية و تعقيمية و تنظيفية وأزداد شوقي و حبي لمهنة جدي وبني جلدتي و كان أكثرهم من أهل أمبود ، وتم تعين الطبيب و الجراح على راس مؤسسة إستشفائية بتويل و رعاية عربية إماراتية وتم إستدعائي لحفل تدشينها من طرفي زبوني سابقا و صديقي لاحقا ، وعرضوا على خدمة النظيف و الغسيل كما عهدوني أنتكب و كما جربوني فعليا و قبلت العرض و كان بالنسبة لي نقلة نوعية و ولوجا صحيحا و صحيا إلى عالم الإدارة و الأعمال ، في مشفى الشيخ زايد رحمه الله كان كل من تقدم للعمل في مهنة النظافة والغسيل هم من أبناء و بنات العبيد و العبيد السابقين و الزنوج و آبائهم و أمهاتهم أحيانا كثيرة حتى خلت بأننا بشر إنما خلقنا لنكنس و ننظف و نوفر الراحة الجسدية و الذهنية للآخر البيظاني ، تماما كما صنفونا في في سلمهم الإجتماعي و متون فقههم الإستعبادي و قصورهم حيث أخدم أنا في تفرغ زينه ، توسع النشاط و انتبه البيظان الى حكمة و نصيحة صديقي البلجيكي و تفهم زملائي الأساتذة و الأصدقاء أهمية الفكرة و شرفها و إكراهات المرحلة و لقمة العيش الطاهرة من الربى و الكسب الحرام وهما في تلك الأيام سنة حميدة عند الحزب و العقيد ، نظفت الملابس بيدي و كنست الممرات و نظفت دورات المياه الصحية و عقمتها و أحرقت الملابس الملوثة و الأدوية الفاسدة ان وصلتني و مخلفات التداوي و الجراحة والعلاج ، وشعرت بالنجاح و التغلب على اليأس و الكسل و بت أصل لليل بالنهار من المغسلة إلى المشفى كدا وكدحا و تجربة أراه تنموا وتتوسع أمام ناظري ، وجاء مشروع المشفى الجهوي الأسباني في نواذيب لاكن غينا كانت ترقبني و تترصدني و تقعد لي كل مقعد إنها عين البيظان التي لايخطأها شيئ على هذ المنكب البرزخي . ...... يتواصل