يقول الجابري:"إن غياب مفهوم ما من اللغة ما يدل على غياب مدلوله " يعني ذالك منطقيا ان وجود المفهوم وتداوله بشكل واسع بين الناس يدل على وجود الفعل الدال عليه، فإذا طبقنا هذه القاعدة على مفهوم العنصرية، او أي مفهوم آخر من المفاهيم التي يوصف بها خطابنا وأسلوبنا في النضال ضد واقع نتن تفوح منه روائح الاستعباد والتعالي والعنصرية والكراهية والتطرف وغير ذلك؟ سنجد اذا أن الخطاب الايراوي ليس إلا تعبيرا عن رفض لممارسات ومسلكيات وأفعال يجيزها المجتمع ويتغاضى عنها المثقفون وصناع الرأي العام وتنفذها الدولة الموريتانية منذ الاستقلال وحتى اليوم ، لقد تسنى لي الاطلاع على مقابلات ومقالات لبعض الإخوة الأفاضل من الساسة وصناع الرأي العام والأحزاب، من أمثال بدر الدين، والد الواقف، والحسين ولد مدو، جميل منصور وقد لا حظت تلاعبا بالمفاهيم لا أستسيغه من أمثالهم خاصة في وقت كهذا وفي بلد كبلادنا، وتحت ظل نظام كالنظام الحالي.
لذا أود دعوة هؤلاء الإخوة الكرام، وغيرهم من المنظرين التقدميين الى العودة الى المفاهيم ومحاولة تحديدها قبل استخدامها لكي لا يبقوا في خط إعلام المخابرات، والسوقية التي لا يمكن أن نطلب من ميكانكي غيرها ، يجب إذا تحديد المفاهيم بصفة أكثر موضوعية وأكثر إنصافا ، إخوتي قد لا نختلف أن العنصرية مهما تكن مرفوضة لكن التركيز على نبذ الخطاب العنصري وإلصاق تهمته بكل من عبر عن ما يعانيه من ظلم وتهميش وغبن أعني ضحايا الفعل والممارسات العنصرية هو شيء خطير يعبر عنه المثل الحساني (إصوع الزركه وإخل الزارك).
لقد اعترفتم، كل بطريقته وبأسلوبه بأن الأنظمة المتعاقبة على الحكم حتى اليوم لم تكن تملك أبسط إرادة لمحاربة الاستعباد، وإنما قيم به حتى الآن كان عبارة عن مهدئات، لم تكن الجبهة الداخلية هي محركها ولم تكن المبادئ الكونية هي أساسها، بل كان تلميع الوجه الخارجي للدولة هو المحرك، حتى إن بعض الفتاوي المشهورة في شأن الاسترقاق وجهت الى الاستهلاك الخارجي فقط ،ومنع تداولها داخليا حتى لا تزعج ملاك العبيدّ!!
الكل يعرف أن الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال وحتى اليوم هم الذين أسسوا لهذه الأمراض الاجتماعية وحافظوا عليها وشرعوها وبنوا عليها حضارتهم ومجدهم وشرفهم فمن غير المنطقي أن يطلب من الضحايا وأبناء الضحايا أن يلتزموا الصمت، ويقبلوا الأمر الواقع، وأن لا يحملوا مسؤولية واقعهم لمجتمع أسس عقده الاجتماعي على استعبادهم وتجهيلهم وغبنهم وإقصائهم وممارسة التمييز السلبي في حقهم في الإدارات والجيش والمال والأعمال.
لقد فرض مجتمع البيظان طابعه الخاص على نظام الحكم وبذلك أصبح كل البيظان مسؤولين بصفة جماعية عن ما يعانيه لحراطين، خاصة أنهم يتحكمون في السلطة والرأي العام والفقهاء وفي المال، وذلك منذ الاستقلال، كيف تفسرون سكوت مجتمع البيظان على الهيمنة المطلقة للبيظان علي الإدارات الإقليمية، ففي روصو - ككل عواصم الولايات الاخري- كل المسؤولين الحكموميين من فئة البيظان: الوالي، والحاكم، ومدير الأمن وضباط الجيش، ومدير التعليم، ومدير الصحة، وكل رؤساء المصالح، فهل هذا منصف وهل؟ يوجد له من وصف سوى اعنصرية الظاهرية، أعني العنصرية في الفعل؟ فالكل يكره الخطاب العنصري الذي هو مجرد تعبير عن حالهم، وواقعهم، إن ما وقع قبل شهر من الآن بين قيادة " إيرا" والإدارة في روصو يعبر عن أسلوب عنصري في تعامل الإدارة مع المواطنين، خاصة لحراطين.
فقد جاءت إيرا لتبين عنصرية الدولة في تقسيمها للأراضي الزراعية في شمامه، الشيء الذي اعتبرته الإدارة تحريضا ضدها، ولأن الإدارة عنصرية في شكلها، وفي ممارساتها، فقد اعتبرت نشطاء إيرا عنصريين، وحرصا مننها على أن يبقى الواقع كما هو لم تمتلك الشجاعة لتوجيه تهمة العنصرية لنا حتى لا تكون مثل الديك الذي ينبش موس اذبيحتو، فوجهت لنا تهما واهية، لا تصل مستوى الجنح حتى، وذلك حرصا من حكم البيظان على أن لا يكشف المخفي.
إن خطابنا - إخوتي العمداء- ليس عنصريا، وهدفنا ليس الانتقام من أي كان، ولا نرغب في نشر الكراهية، والبغضاء بين المواطنين، لكننا لن نتنازل عن مطالبنا في إصلاح جذري للأوضاع، وإعادة بناء النسيج الاجتماعي على أسس عادلة، لا مكان فيها للون، ولا الفئة، ولا العنصر.. لن تنجح خطط أولئك الذين درجوا على التشويه، والتنابز بالألقاب لثنينا عن الأهم، فإذا كانت المطالبة بالمساواة عنصرية، الدعوة إلى تقسيم عادل لخيرات عنصرية فنحن إذا عنصريون، عن وعي، وإرادة، وسنبقى كذلك مادام البيظان يمارسون العنصرية في التعيين، والقضاء، والمال، والتمثيل.
إن أكبر تحريض على الكراهية هو استمرار الممارسات العنصرية، والغبن المستمر، فكيف لساستنا الكبار أن يعتبروا الخطاب الرافض للأفعال العنصرية مدعاة للكراهية، في حين أن المسيرات، والندوات إبان المحرقة المجيدة لكتب الاستعباد دعت إلى القتل، وكفرت، واستهجنت، فلم يقفوا في وجه تلك الأفعال التي تدعو للكراهية، .. تتمثل مسؤولية البيظان الجماعية في السكوت على الباطل، وعدم الوقوف في وجه عنصرية الدولة، لماذا لا ينزعج أحد من هيمنة فئة اجتماعية واحدة على الإدارات الإقليمية مثلا؟ ولماذا لا يعتبرون ذلك تشويها لسمعة البلد فلقد بلغ بنا التضجر إلى حد اعتبار الإدارة في كيهيدي وبوكى، وروصو إدارة محتلة، ونعتبر ما يقع في شمامة " استيطانا" ليعلم العميد بدر الدين أننا نقدر جهوده، وفكره، وشجاعته، ولكننا نرفض دعوته لنا لتغيير الخطابن أو التوقف عن تحميل البظان مسؤولية ما نعانيه، لأننا لا نرى الفرق بين البظان، وبين الدولة، ألم يظهر هذا الوجه الواحد(الدولة/ البظان) إبان المحرقة المجيدة في ابريل 2012 .
من داخل سجن روصو: ابراهيم ولد اعبيد نائب رئيس حركة إيرا.