مثير للشفقة إيهام حكومة الفساد والرشوة والمحسوبية والزبونية لنا بوهم محاربتها للفساد ، ومدعاة للسخرية أن تنظم حكومة غارقة في الفساد والإفساد مسيرة راجلة مناهضة للرشوة والفساد لتكون بذلك مفردة محاربة الفساد من بين أكثر المفردات ترددا وترديدا على لسان وزراء الفساد في حكومة الفساد ، فلا تكاد حكومة وهم حرب الفساد تضيع على نفسها أي حدث بدون أن تشير إلى أن الحرب على الفساد مستمرة ولا تراجع عنها، حرب تمضي على ما يبدو في الاتجاه الخاطئ في ظل ازدياد أعاجين الفساد إذ القرابة والتخندق السياسي، والقبيلة والمكانة الاجتماعية ستار لقوى تتحرك في الخلف لبقاء طواويس الفساد على حالهم، غافلا النظام العزيزي وحكومته الفاسدة عن أن هنالك فرقا كبيرا بين مواجهة فساد ذات هدف ورؤية، وحرب للفساد بدون هدف ولا رؤية ، فكل الشعب لا ينسى من سرق الوطن وأفسده بل يتذكر ويتذكر في كل مناسبة عسى أن تنفعه الذكرى. ولتعلموا يا دعاة وهم حرب الفساد الجدد أن الانتقائية في حربكم الفاسدة ضد الفساد لن تؤتي إلا تفريخا لمفسدين أكثر فسادا، فمادامت حربكم الفاسدة الانتقائية على الفاسدين فقط مع ترك المفسدين يمرحون ويفسدون مشارق الوطن ومغاربه؛ فلتنتظروا تعبئة شعبية شاملة وسخطا ونقمة ستقلعكم من جذوركم لتستريح منكم البلاد والعباد، فلن يستمر الشعب في قبول سلطة مصدر اعتدادها تفريخ أزمات لا تقود إلا إلى فساد ومفسدين جدد يتناسلون بكثرة ثم لا يلبثوا أن يشكلوا حاضنات تخمير لفساد آخر متصل الحلقات، تتراكم مصالح عرابيه كأكاليل شوك تنغرز في لحم البلد على شكل تصدعات رأسية وأفقية تفضي بالعباد والبلاد إلى فساد يهلك الحرث والنسل .
إن آمال الشعب في محاربتكم للفساد غائبة لا وجود لها ، فمن غير الطبيعي أن تكون محاربة الفساد تتم بصورة انتقائية من خلال ترك أشخاص دون محاكمة ومحاسبة، ومحاكمة آخرين على جانب واحد من جوانب فسادهم، وترك صناديد الفساد بلا عقاب ولا حساب ، وقناعتنا في ظل محاولة تسويق وهم محاربة الفساد أن القضاء على الفساد أمر غير ممكن في ظل نظام يحمي الفاسدين الكبار ويلقي في النار بعض الصغار لتلهية الشعب ، فالفساد ليس فقط أفرادا، وإنما نظام متكامل يقاوم كل محاولات الإصلاح، وقضية (الفساد) ليست غياب ضمير أفراد، بقدر ما هي فساد قوانين وتشريعات وبيروقراطية جاهزة لكي تحلل كل شيء وتمنع كل شيء في نفس الوقت؛ الفساد نظام وقوانين وتشريعات تتسرب إلى مناخ الحياة العامة.. والنظام العزيزي بقوانينه وتشريعاته لم يقف فقط وراء الفساد، وإنما كذلك كان وراء اختيار الأشخاص والقيادات التي مارست الفساد أومتهمة بالفساد ومنه فلن تنطلي أضحوكة حربكم على الفساد فالفاسد ليس جديرا بمحاربة الفساد بل يفرخ عتاة الفساد المتدثرون زورا بمحاربة الفساد .
أخيرا لنظل نتذكر جميعا أن بقاء فاسد واحد سيكون خميرة لنشر الفساد من جديد، كما أن وجود تفاحة واحدة فاسدة في سلة تفاح ستؤدي إلى إفساد التفاح حولها.. والفساد هو الذي جعل المواطن الموريتاني يشعر بأن هذا البلد ليس بلده ويفضل البقاء في بلدان أخرى حتى ولو كان مصيره الموت بها ، فلن نصدق كل محارب للفساد وليس كل من يتشدق بمحاربة الفساد يصلح لمحاربته، ولا كل من قاد مسيرة راجلة مناهضة للفساد يمكن أن يكون أميناً على محاربة الفساد فلا يزال صغار الفاسدين يذرفون دموعاً لم تجف، ولا يزال عتاة ورؤوس الفساد تسيح في كل حدب وصوب.. فمتى تأخذ عدالة محاربة الفساد طريقها إلى النور؟ ونوقف وهم حرب فساد لا أثر لها ولا نتيجة سوى الانتقائية في حرب وهمية ؟؟؟