في إطار الاستعدادات المخلدة لذكرى الاستقلال الوطني 56 انتابتني فكرة تسليط الضوء على الجيش الوطني الموريتاني
و مما لا شك فيه أنني كغيري من الموريتانيين حقا ينتابني سرور غامر وأنا أشعر بعين ساهرة من أجلي ومن أجل وطني وشعبي وأشعر بالأمن حين أفكر في أن بلدي ليس دونيا في المستوى العسكري.
وحقًّا أشعر بالأسى حين أتذكر بعض الكلمات التي تنتهك حرمة الجيش الوطني الموريتاني من طرف بعض عديمي الوطنية، والذين ربما أعمتهم المطامح والمطامع السياسية عن ذكر جميل هذا الجيش، الذي يرابط بعضه في الثغور والآخر على مداخل المدن، وفي الفيافي يلفحهه البرد والحر ويبلله الندى ويواجه الزوابع الطبيعية العاتية. ومن أجل من ؟ من أجلنا نحن المواطنين الموريتانيين؟ ومن أجل أمننا وسلامتنا وسيادتنا كشعب وأرض ومؤسسات ودولة ككل.
أنا ـ وأنا أقول وأُجملُ معي كل المواطنين الوطنيين الغيورين على موريتانيا أولاً ـ أشعر بكل الفخر والتيهْ والأنفة حين أرى جيوش بلدي تتشكل وتتركب قطعاً قِطعاً لتعطي لوحة فنية رائعة في كل عيد استقلال، لتقول للعدو رويدك إننا دولة لها حسابها، دولة تصنع الفارق في الميدان.
وأنا ـ أيضا وبعيدا عن الكلام المُلقى على العاهنِ ـ أعتقد أن الكثير من المواطنين يضيع وراء بعض الإشاعات التي يثيرها هنا وهناك بعضُ المرجفين في المدينة عن أن الجيش الموريتاني ضعيف، أو متسيس، أو لا عمل له سوى توزيع الرتب وقلب الأنظمة.
ويا أسفاً على هذا القول ونحوه من الكلام المجافي والمجانب ـ ذات الوقت ـ للصواب. فالجيش الموريتاني هو حامي الديمقراطية وحامي المؤسسات قبل أن يكون وسيلة لقلب النظم، ثم إن تدخلاته لم تأتِ يوماً إلا لإنقاذ الوطن من أوضاع كانت لتكون كارثية لو تواصلت، ولا غاية له في السياسة خاصة منذ السنوات الأخيرة حينما أُوجدت منه ومن مخرجات الحوار الوطني سياسة جديدة تنص على أن أفواه الدبابات لم تعد وسيلة إلى الحكم في هذا البلد، فأي عسكري يريد السلطة يتوقع حتما صناديق الاقتراع، وهو كمواطن موريتاني يتمتع بالجنسية الموريتانية يحق له الترشح والخوض في السياسة مدام مدنيا لا عسكريا ومدام يبلغ السن القانونية لذلك، وهنا أتوجه بالسؤال إلى من يتهمون الجيش الوطني بالتسييس من أين خرجت هذه الفكرة الراقية؟ ألم يكن قادة الجيوش الموريتانيين هم من أرسوا فكرتها وابتدعوها لنعيش بأمان وراحة ؟.
ولعمري ما كنتُ أريد أن أخطَّ هذه الحروف للخوض في السياسة ولا في المناكفات الفارغة، فأنا مشغول بتذوق طعم عيد الاستقلال الوطني، كأي مواطن حُرٍّ فخور ببلده وبجيش بلده، ويقف لجيش وطنه وقفة احترام، فالجيش الوطني يبقى ـ بعد الله والعلم الوطني ـ رمزا مقدساً تريبنا، ونحن على مقاعد الدراسة في الابتدائية، أن نجله ونحترمه.
وإني مادمتُ في هذه الحالة من الفخر والاعتزاز أراني أوجه رسالة لمن لا يعرفون جيشهم من الموريتانيين، أدعوهم فيها إلى التعرف إلى جيشهم وإلى زيارة موقعه، وإلى المطالبة بالتعرف عليه، وإلى تشجيع الآخرين من المواطنين على تقديس أبناءٍ باعوا أرواحهم مقابل سعادتنا وأمننا ورخائنا، وأن يتذكروا الحديث الشريف الذي يقول:"عينانِ لا تريان النار عينٌ بكتْ من خشية الله، وعين باتت تحرسُ في سبيل الله"، من هنا يجب علينا أن ننظر للأمور بإيجابية، وإيمان وحماس لماذا العالم كله يفخر بجيوشه ونحن نكيل لجيشنا سيول الانتقادات الخاوية؟، ألا يجب علينا أن ننتصر لجيشنا وندعمه، ونقترح لتطويره ساسة وقادة ومواطنين؟.
ومن رسالتي هذه إلى من فاتتهم بعض أخبار جيشنا الوطني، أستطرد ـ باختصار تام ـ بعضا من المعلومات عن الجيش الموريتاني لتقريب الصورة واعترافا بالجميل.
فالجيش الموريتاني تأسس عام 1960م، أي سنة الاستقلال، وله عدة مكاتب و مديريات و هيئات تقوم على تسيير شؤونه بانسيابية.
ولجيشنا الوطني كذلك الكثير من المهام المتعلقة بالقضايا الاجتماعية، ولعل "فرقة الأشغال العمومية" أفضل مثال على ذلك، "فهي تشارك في بناء المنشآت ذات النفع العام في المناطق الريفية والحضرية كبناء الجسور وحواجز الحماية وبناء المنشآت العامة وإعادة تأهيل المنشآت التالفة".
وهذه الفرقة المهمة جدا ما تزال لدى كثيرين مجهولة بفعل غياب ثقافة الاهتمام بالجيش الوطني لدى أغلب المواطنين، وإن كانت لهذه الفرقة مهام عديدة تقوم بها وتمس واقع المواطنين بشكل مباشر مثل "فكِّ العزلة عن مناطق عدة من الوطن عن طريق بناء الطرق، السالكة واستصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء حواجز واقية من الحرائق في المناطق الرعوية والزراعية، وحفر الآبار في مناطق كان فيها الماء المشروب يشكل تحديا كبيرا".
وتقوم القوات البحرية من جيشنا الوطني بحماية المياه الإقليمية وتساهم في التنمية الوطنية، أما سلاح الجو ففضلا عن مهمته الموكلة إليه فإن له خدمات هامة في مجال التنمية.
وفي المجال الطبي يقدم المستشفى العسكري خدمات كثيرة للمرضى في الجانب الاجتماعي، كما أن لفرقة الهندسة العسكرية يداً طولى في صناعة أنابيب الشرب وذلك بتكليف من رئيس الجمهورية.
وإلى هذا وذاك يكافح الجيش الموريتاني الهجرة السرية، من أجل ضمان حماية قطاعات الاقتصاد الوطني من تهديد المهاجرين السريين، كما أن في مكافحته للهجرة السرية حماية طبية من الأمراض التي تنتقل عن طريق المهاجرين غير الشرعيين، وجميعنا يتذكر ـ قبل عامين تقريباـ خطوات قوات حرس الحدود المشددة من أجل ضمان سلامة المواطنين،كخطة لضمان عدم انتقال مرض إيبولا الوبائي إلى بلادنا.
ليس هذا وحسب فللجيش الموريتاني كذلك فرقته المتخصصة في نزع الألغام والتي لا تقل صعوبة وخطورة عن غيرها من المهام الجسام الموكلة إلى جيشنا الوطني.
كما لا ننسى أن جيشنا الوطني بات يساهم بشكل فاعل في قوات حفظ السلام في مناطق مختلفة من إفريقيا وغيرها من مناطق التوتر والنزاع، وهو ما لا يقل عن دور الجيش على الصعيد الداخلي، فهو بذلك يرسم صورة جميلة عن موريتانيا على المستوى الخارجي.
ويضاف إلى ذلك المؤتمرات التي تنعقد في موريتانيا وتشارك فيها موريتانيا بحضور حقيقي وفاعل جعل لها صوتاً ورأياً مسموعاً، وجعل لها مقترحاتٍ حية وناضجة في المجال الأمني والعسكري.
إن ما قدمته آنفاً من إسهامات الجيش الوطني الموريتاني، ليست إلا غيضاً من فيض قدمه هذا الجيش لبلده موريتانيا وقد ركزت فيه أكثر على ما يتعلق بالناحية الاجتماعية، فيكفي جيشنا الوطني شرفاً أنه ظل يكافح بأرواحه من أجل أمننا وما يزال إلى اليوم، من أجل ذلك يجب علينا أن نرد له الجميل، ولهذا كتبتُ هذه السطور، وفي ختام هذه السطور أيضا أقول لجيشنا الوطني:
كل عام وأنت جيش قوي ...
كل عام وأنت جيش متطور، ساعٍ في خدمة بلدك وتطويره...
كل عام وموريتانيا تزدادُ نمواً وثقافة وحضارة، وتمدُّك بطاقاتها لتزداد أماناً ورقياًّ...
كل عام وأنتَ ونحن وموريتانيا بخير....