منذ فترة طويلة مضت وأنا أسمع عن اللواء "مسغارُ ولد سيدي" قائد أركان الحرس الوطني، كنت أحسبه ذلك العسكري العنيف بحكم مكانته العسكرية المَهيبة، ولم أكن ـ البتة ـ أتوقع شخصا مثاليا سأقص لكم بعض ما لاقاني منه...!!
كُتب لي قبل أيام قليلة أن يصطحبني صديق عزيزٌ لي أُجلُّه تمام الإجلال، وأحترمه كمال الاحترام، صحبني صديقي هذا إلى منزل اللواء مسغارُ. وفي الطريق كنا نتحدث عن شخصية ذلك الإنسان الطيب المحترم والمتواضع.
وعلى الرغم من ما كان صديقي يقول لي من لطف ذلك الشخص، إلا أنني لم أكن أحسب ما يقوله شيئا أكثر من أوصاف نبيلة نطلقها دائما على أشخاص قد لا تكون فيهم تماما.
المهم أننا انطلقنا حتى وصلنا باب منزله. وعندما وصلنا أصابني ذهول لا يكادُ يوصف، فقد استقبلنا رجل بشوش الوجه، حسنُ السمتِ، لطيف الكلام.
عن نفسي أقول إن الأمر كان بمثابة الصدمة لي، ليس لأني لا أعرف الطيبين؛ بل لأنني لم أتوقع أن أقابل عسكريا بهذا اللطف والتواضع والأدب والثقافة.
صدقوني، لقد كنتُ طيلة مقابلتي معه أسجل ملاحظاتي حول شخصيته دون علمه، كان يوزع النظرات بيني وبين صديقي الذي يعرفه أكثر مني بالتساوي، ولم يكن يغفل عن سؤالي عن القضايا العامة بروح فيها دعابة وظرافة ملحوظة.
وبينا نحنُ نتناول أطراف الحديث بظرافة وأنا مشغول بتدوين ملاحظاتي عنه بهدوء. إذ دخل علينا أحد الشباب العسكريين في المنزل فخاطبه اللواء قائلا بالدراجة:
ـ "إفلان حكلَّ لَعِتْ الِّ مَانَكْ فَتْرَانْ أنْتَ وَلَّ حَدْ مِنْ الشَّبَابْ ألِّ مِنْكُمْ مَاااهُ فَتْرانْ إِصُبْ ألْنَ كااسْ مِنْ أتَايْ".
لقد مت من عجبي حقًّا من أسلوب هذا الرجل، وحسنِ أخلاقه، وطيبه ونُبله، فلا أعتقد أنه كان محتاجاً لهذا الخطاب المستجدي، لكن احترامه للناس وتقديره لغيره ـ وهو من هو ـ يعني أنه فعلاً يملك قلب ورح الإنسان النبيل.
عرفتُ إذن أن صديقي لم يكن يبالغُ حينما قال لي إنه إنسان في قمة البساطة والشجاعة في محلها فقد ذكر لي صديقي هذا أن له مواقف عديدة تكشف جانبا من شخصية حقيقية حازمة إن قضتْ الضرورة.
وقد لاحظت منه الاتزان ولمحتُ فيه التهذيب، وكان يقول لصديقي، ونحنُ نتبادل الحديث: يا فلانْ أتعلمُ أن لي باعاً في اللغة العربية، وأنا إلى ذلك ذو خلفية محضرية، ومن خلال حديثي معه لاحظتُ أنه يطالع كل ما يُكتبُ ويقال ويحدث في أروقة الإعلام والثقافة.
ومضتْ تلك المقابلة المتوسطة المدة وأنا أسجل ملاحظاتي حول ذلك الرجل الطيب، وماء البشاشة والثناء لا يغادر مُحيَّاهُ، وعندما هممنا بالمغادرة لم يبدُ مستعجلاً على مغادرتنا، بل خرج معنا يودعنا حتى الباب الخارجي للمنزل، وهو يطالبنا بلقاء آخر أطول وقتاً. حقيقة لقد أثارني الرجل؛ فدفعني ذلك إلى تحبير قصتي معه.
حينما أعيد شريط اللقاء كله أزدادُ إعجابا بهذا الشخص الفريد، الذي لا يعرفني معرفة سابقة، ولم يكن مجبرا أبدا على أن يعاملني أكثر من معاملة ضيف عادي، لكنه كان أكبر مما توقعت فهالني حقاًّ ما رأيت.
نعم هالني حتى عدتُ لأدون لقائي معه، وإن كان لا يعلم بأني سأكتبُ عنه هذه السطور، ولكني أعرف"إنما يعرف الفضل أهل الفضلِ"، وأنا أتمنى أن أكون منهم.
من هنا أهيب بكل القادة العسكريين والمسئولين الحكوميين وكل شخص تولى منصباً في مكتب سواء في الدولة أو في القطاع الخاص بالحذو حذو هذا النموذج الرائع من الأخلاق والتواضع والبساطة.
نعمْ لا تزدكم المناصب إلا تواضعاً وتقديرا للناس، فما زاد الله عبدا بتواضعٍ إلا عزاًّ...