أتيح لي على هامش مهمة في سويسرا، أن أزور "متحف حضارات الإسلام" في مدينة " لا شو دفون" La Chaux-de-Fonds وهي مدينة سويسرية تابعة لإقليم "نوشاتيل"، تقع على بعد 70 كم على الشمال الغربي من العاصمة "برن" اشتهرت بصناعة المجوهرات والساعات.
هذا المتحف أقامته جمعية ثقافية سويسرية تحت رئاسة السيدة نادية كرموس،في مبنى ضخم وجميل من خمسة أدوار.
وقدكان هذا المبنى في الأصل محل صناعة وبيع مجوهرات قبل أن يتم شراؤه وإعداده ليكون أول متحف في أوربا يقدم الحضارة الإسلامية بأسلوب عصري يعتمد على أحدث تكنولجيات المعلومات والاتصال.وقد تم تدشينه من قبل السلطات المحلية في المدينة في شهر يونيو الماضي.
وفي تسمية المتحف ب"متحف الحضارات الإسلامية" بصيغة الجمع، براعة استهلال مقصودة من جهة تنبيه الداخل إلى أن التنوع والتعدد والانفتاح ميزات عليها تأسست الحضارة الإسلامية وهي ملازمة لها دائما.
وهكذا يجد الزائر لهذا المتحف نفسه مأخوذا في رحلة افتراضية تفاعلية شيقة بالصورة والصوت (بالعربية والفرنسية والانجليزية والألمانية) تبدأ من عصر الجاهلية مرورا بفترة نزول الوحي، وعصر الخلافة الراشدة والفتوحات والابتكارات العلمية والمعرفية والانحطاط، وصولا إلى إرهاصات النهوض من جديد وما تقتضيه من تفاعل إيجابي مع الآخر...
ويضم المتحف بالإضافة إلى هذا الفضاء الافتراضي الباهر، مكتبة كبيرة يراد لها أن تحتوي على أهم المراجع عن الحضارة الإسلامية خاصة منها تلك المكتوبة باللغة الفرنسية، وقاعات عديدة للمعارض والندوات، وأخرى لتدريس اللغة العربية لأبناء الجالية المسلمة ولتقديم استدراكات للتلاميذ والطلبة من مختلف المستويات.
وقد تفاعلت الآثار الإيجابية لهذه الزيارة في الذهن فولدت هذه المقطوعة:
تَغارُ من كنوز هذا المتحف كل المجوهرات فلْتَخْتَفِ
كما اختفت مجوهرات هنا لتفسح المجال للمتحف
يحكي حضارة تراتيـــلها صيغت بعقل حاذق منصف
لِتَجْلُوَ الحق المبين الذي عنه الغلو والرَّدَى يــنتفي
في حُلَّة عـــصرية فَـــذَّةٍ، آثــــــارَ نهجِ ديننا تــقتفي
منذ الجهالة التي أُحْبِطَتْ عند نزول الوحي والمصحف
وحكمِ أصحاب النبي الألى ساروا على الهدى بنهج وفي
وبثِّ علم نافع في الورى بمنطق مـــبيِّن مُــــزْلِفِ
يُكَرِّم الإنسان من أصله بـدون ميز أو هوى مُسرف
يُفشي السلام حيثما حلَّ لا يرضى بأي مسلك أعنف
وإن كبا حصاننا مرة فالعيب في مسلكنا المُصدِف
فلننهض اليوم ابتكارا لما يعيد جذوة العطا المُخْلِف
وأنتمُ يا آل "كرموسَ" منْ وعَى، وبلَّغتم بذا المتحف
دمتم لنا ودام مسعاكمُ في لحظة من عصرنا الأحنف
وكل من أعان من داعم ومن ممول ومن مشرف
حسني الفقيه
جنيف، 21 سبتمبر 2016