
يعتبر المجتمع الموريتاني من المجتمعات العربية الإفريقية ذات الصبغة التقليدية الرجعية في العديد من الأمور مثل طقوس الزواج وما شابهها، ولم يستطع الموريتانيون التخلص من كم الفوضى، فما زال المجتمع مجتمعا فوضويا من الناحية المدنية والحضارية أما من ناحيته الدينية فحدث ولا حرج.
حيث نرى الأسرة الكريمة المتمثلة في الأب والأم ترغم وتجبر ابنتها المراهقة على زواج مبكر غصبا لا عن رضا، ولا يكون الجرم الذي ترتكبه الأسرة إلا بمثابة وأد البنات الذي كان ممارسا بكثرة في المجتمع الجاهلي، وهو ما يجعلنا نعي أننا مازلنا نعيش في حقبة زمن قديم، بل وحتى من أحد عصور ما قبل التاريخ .
إذ أنه ليس من المنطقي أن ينقلب مشروع الزواج الذي يجب أن يكون مبني على أسس صحيحة متينة ليكون مشروعا مبتسما حالما لغد أفضل لينتقل إلى شجار وطلاق محتوم لاشك فيه ناهيك عن الأمراض النفسية والجسدية المتوارثة عنه التي تصاب بها البنت التي تتعدى السادسة عشرة من عمرها مثلا
كيف لأب راشد أن يقوم بعمل كهذا ويجهز ابنته لقيادة وتربية أسرة أخرى وهي في نفس الوقت تحتاج هي نفسها لتكملة تربيتها العقلية والنفسية.
كيف لهذه البنت أن تربي أطفالها وأجيالها وهي تفتقد كل معاني الوضوح والصراحة والتربية
هذه الصورة النمطية الوحشية تتكرر أمامي يوميا دون أن يتغير أي شيء ونهايتها المحتومة هو الطلاق المبكر بعد المولود الأول أو الثاني، وتعود المسكينة إلى بيت أهلها بعد أن فقدت كل شيء محملة بمتاعب الحياة وبكاء أطفال لا ذنب لهم فتحمل همهم ووجعهم مع غياب وتجاهل أبيهم أكثر الأحيان
فتتجرع الأمرين في حياتها الجديدة بعد أن ذاقت مر الكلام من أهل زوجها واصفينها بعدم المسئولية والمراهقة وما إلى ذلك مع أنها تركت مقعدها الدراسي كرها مخلفة بذلك فراق سنوات من الوعي والدراسة والتثقيف في تكوين شخصها.
إذن ما الفائدة من الزواج المبكر، والممارس بشكل تعسفي؟، هل هو نوع من الهروب من شبح العنوسة الذي يوهم به المجتمع الفتاة؟ هل العنوسة موجودة أصلا؟ أم أنها مجرد وهم نحن فقط من نصدقه ونسقطه على حياتنا اليومية ؟؟؟؟؟
تجد الكثير من الأسر الموريتانية قصة “الهروب من العنوسة” مبررا وحيد يختبئ وراءه الأب والأم والأسرة بعد هذه الجريمة هربا من الرقيب الاجتماعي والديني، فمجتمعنا تقوده العادات والتقاليد أكثر مما يوجهه شرائع الدين الحنيف والقانون.
بين هذا وذاك تعود بنت حواء إلى مأتمها وسط نظرات الجيران والأصدقاء والمعارف إلى بيت أهلها وهي محملة بوابل من الأوجاع والألم والوجع والحزن على الماضي والبكاء على الحاضر والخوف من المستقبل الآتي.
وتبقى هذه القضايا مثل مثيلاتها الكثيرة شائكة مبعثرة أمام كل بيت في سننا تؤرقنا يوميا نظرا لكونها تقبع لهذا الرقيب الاجتماعي المخجل ، فكان الأولى بفناني المواسم الرمضانية أن يركزوا على هكذا مواضيع وغيرها من قضايا مجتمعنا المريض ويناقشوها ويقدموها على أساس أنها من الأمراض المتفشية في المجتمع بدل أن يقرفونا بأعمالهم المسلوخة فنيا وأدبيا وإبداعيا.