
وسط الظلام يتمدد جسده فوق السرير السرمدي....عبثا يحاول إغفاءة.. لكنّ شريط الذكريات يمنعه النوم...هي عادة دأَبَ عليها...حاول التخلص منها دون جدوى...
ينبعث ضوء..يتناهى إلى سمعه صوت "رنّات"... يمسك الهاتف الذهبي بيده...ينظر مليًّا إلى شاشته... يضغط ..يحدث انفجار نووي هائل.. يفتك بكل المحتويات ...يدمر كل اللحظات...حتى شريط الذكريات أصبح رمادا... انهار كل شيء حوله....
تخرج من بين الركام حورية وأربعيني جميل , يحمل بإحدى يديه فاتورة سنين عجاف ,وبيده الأخرى كومة حطب وعلبة كبريت...
ينظر اليها ...يعيد النظر مرات...يُرجع البصر كرّتين..يسألها :
هل أنت جنية؟
تدير ظهرها..تحني راسها إلى الآرض...تخط بأناملها خطوطا مُطلسمة على الرمال....يطيل النظر في يدها ..في أصابعها....فيعرف من عددها أنها إنسية...
أنا ذكرى ...أنا شبح قادم من تخاريف الماضي وجنونه وعبثية القدر...أنا حلم حط رحاله ذات مساء جميل لكن الحياة لم تستقبله ورحل بهدوء...أنا حب عذري انتحر على أسوار الظروف والتقاليد...
كان لكلامها صداه فقد أعاد اليه ذكرى حبيبته زينب التي عشقها وفرقت بينهما الظروف...يلطم خده ألما وحسرة ...يستيقظ ويصيح رباه رباه... مالي وللأحلام ... ودون وعي منه يشعل عود الثقاب...تشتعل النار في الحطب....يحدث حريق هائل...في تلك اللحظة الموغلة في الأزمنة العبثية تنتبه "الحورية" ...تحاول إخماد النيران ...يظهر على ضوئها المتلألئ وجهُها الملائكي ....تناديه....ويحك يا هذا ويحك..."إن من أشعل النيران يطفيها" ساعدني ....
يقترب رويدا رويدا...يدقق النظر... نعم.... من أنت أيعقل أن تكوني حبيبتي زينب؟ يا الله!!!...
يصاب بهستريا ...يخطو نحوها بشوق ولهفة ...يزيح "ملحفتها" عن رأسها..يَمرِّر يده فوق شعرها الحريري ..الناعم..المنساب كجداول الماء الرقراقة......غير بعيد...أزيز يصُم الآذان..يهز أركان الزمان والمكان...يظهر طبقٌ على شكل طائرة.. وبسرعة البرق يجذبهما...يختفيان...يتواريان عن الانظار....لحظات... يسقطان مبللين...سَبَحا ثم اغتسلا في نهر الحب الذي في السماء خُلِق قبل أن يهبط الى الأرض ...تتقابل عيونهما....يهمس كل منهما للآخر دون أن تتحرك شفتاه :
هرمنا من أجل هذه اللحظة...
زهراء نرجس