قلة قليلة من شباب لحراطين المتعلمين أسست في سبعينات القرن الماضي حركة الحر ليجدوا أنفسهم رموزا لشريحة تدب في أوصالها حركة غير اعتيادية,حركة توشك معها أن تصنع التاريخ .
قادة حركة الحر كانت لهم مرجعيات أيديلوجية مختلفة ولم يكن بعضهم صعب الترويض والاحتواء فوقع في مصيدة التعيينات وأصبح جزء من حكومات لم يشغلها هم هذه الطبقة بل كان شغلها الشاغل القيام ببعض الرتوش وشراء بعض الذمم مع إبقاء الوضع على ماهو عليه ولم نر أحدا من لحراطين أصحاب المناصب انتقد حكومته أو استقال منها بسبب عجزها أو امتناعها على الأصح من تبني مشكلة يفترض أنه نذر لها حياته ولكنه سيفعل متى أقيل أوتقاعد .
في البداية قبل أن يدخل معظم قادة حركة الحر سوق التعينات انكبت جهودهم على نشر الوعي بين العبيد ليخرجوا عن طاعة الأسياد لكنهم لم يضعوا استراتيجية شاملة ترغم الدولة في نفس الوقت على وضع برامج الدمج والتأهيل وهذه هي أهم مشكلة تواجه لحراطين ومسعاهم التحرري حتى اليوم .
لقد كانت تلك سابقة لذك الجيل لايضاهيه فيها أي جيل من الأجيال اللاحقة إنهم الرواد الملهمون مهما اختلفنا معهم واتهمناهم بالتخلي عن القضية إنه الجيل الذي قاد النضال التحرري وأسس لتحولات اجتماعية عميقة وإن كانت بطيئة .
لقد تمردت الطلائع الأولى للحراطين على واقعها المذل وخرجت على غير هدى تتلمس خطاها في بلد أنهكته حرب الصحراء ولم تكن يد الأنظمة الشمولية والعسكرية حانية ولابلسما شافيا للوجع الحرطاني ومع أننا نلاحظ بعض التغييرات التي مست شكل العلاقة القائمة بين العبد والسيد إلا أن جوهرها صمد في وجه ثورة الأرقاء فالسيد الجديد لايستطيع إكراه لحراطين على العمل عنده لكنه قادر على استغلال حاجتهم واستخدامهم في أسوإ الظروف وأكثرها امتهانا لبشريتهم دون حسيب أورقيب .
العبيد الذين زحفوا من البوادي والأرياف إلى المدن لم يكن لهم حظ من علم أومال أوجاه ولم تكن الدولة مستعدة لإعادة تأهيلهم أو مساعدتهم على شق طريقهم وحماية حريتهم فكانوا بقدراتهم المحدودة تحت رحمة سوق العمل في بلد فقير يتبع سياسات ليبرالية متوحشة وهكذا اضطرتهم الظروف إلى استبدال سيد السخرة بالسيد " البطرون " الأكثر استغلالا واستبدادا.
إن عدم إتقان لحراطين لأي عمل خلاف أعمال السخرة التي اعتادوها وصرامة قانون التخصص وتقسيم العمل التقليدي وشدة تماسك حلقات البنية الطبقية القائمة وتخلف الدولة عن القيام بدورها هي مثبطات المجهود الانعتاقي التي جعلت لحراطين يعجزون عن تغيير مكانتهم من التراتبية الاجتماعية فظلوا عند قاعدة هرم التراتبية.
الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة استطاعت إعادة إنتاج العبودية بصيغ وآليات جديدة فما الخدمة في المنازل التي لاينظمها القانون الا عبودية جديدة وما المهن الأخرى القائمة على الإفراط في استخدام المجهود البدني برواتب تافهة وبساعات دوام لايستسيغها العقل ودون أن يكون هناك ضمان صحي أوبدل خطر الاعبودية واستغلال بشع لحاجة هذه الشريحة التي لم تجد من يحميها بعد أن قررت الأنظمة المتعاقبة تجاهلها وكأنها تعاقبها على استنشاق رياح الحرية وبذلك بقيت كل الأعمال المزرية والكثيفة في عنصر المجهود البدني المفرط من حظ هذه الشريحة
بقلم: محمد محمود ولد احمد سالم