لا أعتقد أننا نبالغ كثيرا إذا قلنا إن للثغور العربية على أمتها في العمق أكثر من " ذمة ترعى وحرمة تصان" ، فرغم الجروح النازفة فقد ظلت إشارات التعاون قائمة بين بعض الاقطار العربية ، وكانت موريتانيا حاضرة في ذلك المشهد ، ومع أن المواجهة ظلت مستمرة بين الأمةالعربية وأعدائها فقد تأكد أنها أمة كريمة ذات تاريخ مشرف قدمت خلاله للإنسانية مناقب جمة ومحامد كثيرة ، وأنها تنهض باستمرار بعد كل كبوة خطيرة ، وتنتصرعلى أعدائها في نهاية المطاف ، مثل مايحصل عادة في تاريخ بعض الأمم الحية التي تستعيد ألقها بعد المحن .
ورغم ذلك فإننا ندرك جيدا خطورة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها هذه الأمة من طرف أعدائها الحاقدين الذين تكالبوا عليها من الغرب و الشرق ومن كل فج ، ولم يكتف هؤلاء الأعداء بتقسيم الأمة العربية إلى دويلات ، بل سلبوا أجزاءا عديدة منها مثل فلسطين وإمارة الاحوازالعربية التي تطالب الآن بالحرية وفك الارتباط الخانق عن الدولة الإيرانية الفارسية التي احتلت هذا الثغرالعربي بالتواطؤ مع ابريطانيا ، بما يشبه تماما الدورالابريطاني المفضوح في القضية الفلسطينية ، أي أن العوامل الجيوستراتيجية قد شكلت أحد أهم الأسباب لاندفاعالقوى الأجنبية تجاه الأحواز.
وإذا كان إلقاء الضوء على هذه البقعة العزيزة من أرض العروبة التي ضاعت نتيجة للمساومات الدولية ، ووقوع العرب أنذاك تحت طائلة الاستعمار ، قد يساهم في الإقبال على التنقيب عن كل ما يضيف جديدا إلى تاريخ الأمة ، فإن إثارة هذا الموضوع ستوضح للعالم الأطماع التوسعية لإيران كما أنها ستشكل ورقة ضغط على الفرس خاصة في ظل تدخلهم في الشؤون العربية ،علما أن الاحواز قبل الاحتلال كانت دولة ذات سيادة إلى أن تم احتلالها من طرف إيران عن طريق المكر والخديعة في العشرين من نيسان 1925 على يد رضا شاه بهلوي ، بعد أن تم استدراج أمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي إلى فخ نصبه له قائد الجيش الإيراني الجنرال زاهدي من أجل إجراء مباحثات سياسية إلا أن زاهدي قام باعتقال خزعل واودعه السجن في طهران مع مجموعة من مرافقيه حتى مات عام 1936.
لذلك أعتقد أن على الكتاب وقادة الرأي في موريتانيا أن يبرزوا بصوت عال قضية الاحوازعلى الصعيد العربي والدولي ويستثمروا كافة الطاقات الإعلامية بغية تسليط الضوء على بشاعة وحقد النظام الإيراني الصفوي وإظهار المذابح والمجازر الوحشية التي تقوم بها الدولة الإيرانية التي تلتهم الخليج ، وتسعى جاهدة للقضاء على عروبة الأحواز، تلك الدولة الخليجية الغنية بالنفط التي تنتج 85% من البترول في إيران ، و100% من الغاز الإيراني كله ، وتتوفر على 65% من الأراضي الصالحة للزارعة بسبب كثرة الأنهار.
ونيجة لهذا كله فقد أكد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي أن (إيران تحيا بخوزستان) وهو الاسم الفارسي للأحواز التي عمدت إيران إلى تبديل أسماء مناطقها العربية بأسماء فارسية " فمدينة الحويزة أصبحت( دشت ميشان) والخفاجية أصبحت (سوسنكرد) والصالحية أصبحت( اندميشك) والأحواز أصبحت ( الأهواز) وميناء خورعبدالله أصبح (ميناء بندر شاهبور) والشارع الخزعلي في المحمرة أصبح (شارع بلهوي)" هذا إلى جانب أساليب أخرى خبيثة لإرغام شعب الأحواز على ترك هويته ولغته العربية ، ويعد هذا أمرا خطيرا جدا وغاية قصوى في العنصرية و الاضطهاد .
خصخوصا إذا علمنا أن الأحوازيبلغ تعداد سكانها 12 مليونا عربي في وطن تبلغ مساحته 372 ألف كيلو متر مربع تمتد من مضيق باب السلام أو ما يسمى هرمز إلى العراق ، وتمتدّ على طول الساحل الشرقيّ للخليج العربيّ بمسافة (850) كم، وعرض (150) كم، أي أكثر من مساحة بلاد الشام كلها ، ومع ذلك فقد وقعت هذه البلاد تحت الاحتلال الإيراني قبل تأسيس الدول العربية الحديثة ، وكان شعبها هوأول من ناصر القضية الفلسطينية بعد وعد بالفور المشؤوم، كما تشهد على ذلك زيارة الشيخ الحسيني للأحواز عام 1921.
وبما أن تغيير إيران للمركز القانوني للاحوازعام 1925 قد وقع بصورة غيرمشروعة خلافا لقواعد القانون الدولي التي كانت سارية في ذلك الوقت فإن إقليم الأحواز لم يشهد الهدوء بسبب الثورات والانتفاضات المتتالية التي قام بها هذا الشعب ، وقد رافقت تلك الانتفاضات العديد منالمطالب التي تو جه بها الأحوازيون الي الدولة الإيرانية نفسها ، كما أدلوا بها في العديد منالمحافل الإقليمية والعالمية، وقد تمثلت هذه المطالب بالإنفصال والتحرير وتقرير المصير .
غير أن قضية بهذا الحجم لا يمكن للعرب أن يغضوا الطرف عنها أكثر مما كان ، لأن أرض الأحواز هي الجبهة الأمامية للتدخلات الفارسية ، وسيتأكد لاحقا أن الأحواز إذا تحررت ستكون السد المنيع أمام التدخلات الإيرانية في الوطن العربي ، كما أن الضفة الشرقية للخليج العربي إذا تحررت فسيصبح الخليج عربياً بكل أصالته وعراقته ، وهذا يؤكد أن ثمة حقيقة مهمة جديرة بالدراسة ، وهي أن عوامل القوة الاستراتيجية التي تملكها الأمة العربية في صراعها المريرمع إيران كثيرة، وأبرزها في الداخل الإيراني نفسه.
وبما أن الوضع الراهن في الأحواز لايمكن تجاهله ولا السكوت عليه مطلقا ، فإنه من واجبنا أن نرسخ مفهوما واقعيا ونبيلا جدا وهو أن قضية الأحواز لا تقل أهمية عن قضية احتلال أي دولة عربية لأن القضايا لا تتجزأ، لذا فالموقف العربي يجب أن يكون موقفاً موحداً باتجاه كل القضايا العربية و منها القضية الأحوازية التي مولت ثورة العشرين في العراق ، ووقفت إلى جانب حركات التحررالأخرى في الوطن العربي ، كما أن هناك من يعتقد أن الأمة العربية لم تخسر فلسطين إلا بعد أن سقطت الأحواز في يد الفرس .
ومن هنا فإننا نعتقد أن على الملوك والرؤساء العرب في قمتهم المرتقبة في انوكشوط ، أن يكفروا عن خطئهم القومي والاستراتيجي المتعلق بالأحوازالعربي ، ويضعوا قضيتها في المركزمثل القضية الفلسطينية ، ويتعاطوا بجدية مع المذكرات والرسائل المتكررة التي رفعها الأحوازيون للجامعة العربية ، خصوصا بعد أن تأكد أن الوضع القائم في الاحواز أصبح لايحتمل وأن الغطرسة الإيرانية تجاوزت الحدود ، كما هو موضح في هذه الفقرة من إحدى الرسائل السابقة للوفد الأحوازي إلى الأمين العام للجامعة العربية ، حيث ورد فيها :
"ان استمرار بقاء الوضع الراهن في الأحواز، يتنافى وما ينصّ عليه ميثاق جامعة الدول العربية الذي يؤكد على الدفاع العربي المشترك، ويشكـّل خطورة بالغة على أمن واستقرار المنطقة برمّـتها، خاصة وان الدولة الإيرانيّة تستغل هذا القطر الحيوي الذي يشكل الجسر الرابط بين الوطن العربي وآسيا الصغرى،لأغراض عدائية تجاه الأمة العربية،ويتبيّن ذلك جلياً من خلال تدخلها السافر في العراق وكذلك في الشؤون الداخلية للدول العربية في الخليج العربي، وانتهاج سياسة ترويج المخدرات والانحراف الديني الذي يعد اخطر أنواع الإرهاب الفكري.
وانطلاقاً من إيماننا التام بعدالة قضيتنا الأحوازيّة ، وقناعتنا الثابتة بالأهداف النبيلة التي تأسست من أجلها جامعة الدول العربية الموقرة، يتوجه الوفد الوطني العربي الأحوازي إلى معاليكم بالطلب بمنح القطر العربي الأحوازي السليب مقعداً في جامعة الدول العربية للمشاركة في كافة المحافل العربية والإقليمية والدولية لرفع سقف قضيتنا – قضيتكم – العربية الأحوازية العادلة والمشروعة ".
وإذا كان العمق الإستراتيجي شرط أساسي من شروط النصر وتحقيق الأهداف المرجوة منمشروع الثورة والتحرير ، فإن العمق العربي، ـ ومهما كانت المآخذ والملاحظات السلبية عليهفي الوقت الراهن ـ سوف يكون كافيا إذا تم تفعيله بشكل جيد لمساعدة عرب الأحواز فيإصالهم إلى بر الأمان وتحقيق النصر والإستقلال .
ومع ذلك فما دمنا قد عقدنا العزم في وقت مبكرعلى تحرير فلسطين فحري بنا الآن أن نوسع قاعدة اهتماماتنا لتشمل الأراضي العربية السليبة كافة ومنها الاحواز، لأن أمتنا إذا كانت قد رزيت بفقدان فلسطين فإنها قد رزيت كذلك بفقدان الاحوازالعربية .
وانسجاما مع هذه الرؤية فقد تأكد في حينه أن الحكومة العراقية السابقة بقيادة حزب البعث ، قد انتبهت فورا إلى هذه القضية ، ودعمت بكل الوسائل نضال الشعب الأحوازي ، كذلك فإن الحكومات الخليجية قد بدأت الآن تقدم الدعم والمساندة للقضية الأحوازية ، وتستدعي من أجلها الوفود ، وتنظم لها الملتقيات مثل "ملتقى أحواز العرب في كويت العرب " المنظم يوم 3/5/2016 ، ومع أن هذه المواقف النبيلة كلها تصطف مع الحق والشرعية ، فإنها سوف تكون في هذا الوقت بالذات نكاية بالعدو الإيراني الذي يضرب الأمة العربية من داخلها ويتغلغل في أعماقها ويصدر لها ما يسميه بالثورة ، حتى تم إثر ذلك احتلال العديد من العواصم العربية من قبل إيران وعملائها في المنطقة ، لذلك يعتقد البعض أنه بعد القراءة المتأنية لهذا المشهد ، فإن على رئيس القمة المرتقبة محمد ولد عيد العزيز أن يستدعي الوفد الأحوازي كمراقب ليقدم مطالبه من جديد ، أسوة بوفود أخرى إقليمية وعالمية ستشارك في هذه القمة .