منذ أن بعث الله رسوله صلي الله عليه وسلم رسولا، كانت حرية الإنسان مبدأ من مبادئ رسالة الإسلام ، فالخروج من عبادة الأوثان والأشخاص إلي عبادة الله الواحد القهار هو جوهر الحرية والخطوة الأولي لوضع حرية الإنسان علي الأرض موضعها الصحيح ، فهو تخليص الإنسان من كل الطواغيت وقيودها منذ اللحظة التي ينطق فيها الإنسان كلمة لا اله إلا الله فهو يسلم أمره لله ولا اله إلا الله تعني إن الإنسان لا يعبد إلا الله ولا يعبد سواه.
و يمكن تعريف الحرية على أنها قدرة الفرد على اتخاذ القرار المناسب له دون أي تدخُّل أو تأثير من أي طرف آخر؛ سواء كان مادياً أو معنوياً، وعدم إتباعه لأي شخص بدون تفكير. فكل إنسان له الحق في الحرية والاستقلالية الذاتية في التفكير واتخاذ القرارات التي يراها مناسبة له، وضمن قواعد وضوابط أخلاقية لا تنفي الصفة الشخصية عن القرار. على سبيل المثال، قد يتَّخذ شخص ما قراراً بالاعتداء على شخصٍ آخر، هذا قرار مناسب له ولكنه يخرج من دائرة القانونية للقرار؛ فلا يُعتبر اعتراض القانون عليه هو تحجيمٌ لحريته، وإنما هو ترتيب وتوضيح للحريات. أمّا الحريّة كمفهوم فهي وجود إطارٍ عام لا يتحكم بالحرية الشخصية، ولكن ينظمها ويحفظ حريات الآخرين. كل إنسانٍ له حريته، ولكن ليكن في معلوم الجميع، أنّ حريّة الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. فلستَ وحدك الحرّ في هذا العالم، ولكن كل البشر أحراراً ولهم الحق في اتخاذ قراراتهم؛ على ألا تؤثر على الآخرين. الحريّة كمفهوم مكفول في أغلب القوانين وكل الأديان هي الإطار الذي أشرنا إليه لهذه الحريّات، فلا يُعقَلُ أن يُسمح لشخصٍ بالتعدِّي على الآخرين لمُجرَّد أنه قرَّر ذلك ولأن له الحرية في مثل هذا العمل. ويكفينا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، وهذه هي الحرية الفردية. وهناك الحرية الجماعية، مثل حق الحصول على الاستقلال من الاحتلال أو الاستعمار، وهي مكفولة للمجتمع كافة؛ وليست حكراً على مجموعة أو فئة منه. إنّ إساءة استخدام مفهوم الحريّة؛ لهو من أكبر البواعث على انتشار الفوضى والفساد، وغياب الضوابط المادية والمعنوية للحريات، يجعل من ممارسة الحريّة أمراً يشبه الحرب الشعواء، فيكون البقاء للأقوى والحرية الغالبة هي حرية صاحب القوة والنّفوذ، وتنتفي هذه الصّفة عن عامّة النّاس. فإذا أعطى شخصٌ لنفسه الحق أن يُخالف قوانين السَّير مثلاً لأنه حرّ، فلن نتوقع شيئاً غير الكثير من الحوادث المرورية، وإذا قرَّر شخصٌ لأنّه حرّ أن يضرب ما شاء من النّاس، فتصبح لدينا نهر دماء لا ينتهي، لأنّ المضروب أيضاً حرّ وله حق الرّد فقَمْعُ الحريات في بعض المجتمعات، هو الشرارة التي تنتظر رائحة الوقود لتُشعِل النّار في القامِعين، وهذه النار ستحرق الجميع بلا استثناء ، فسيحاول الشخص الحصول على كل ما يستطيع من حقوق ونبذ ما يستطيع من واجبات، فلقد أرهَقَهُ القَمْع وتاقت نفسه للحرية لا إفراط ولا تفريط، لا تطلبوا الكثير ولا تتنازلوا عن الكثير، فالإفراط بالحرية باعِثٌ على الخراب والدمار، والتفريط في الحرية مدخلٌ للعبودية : فاعتدل واحترم، وستبقى حراً مضمون الحرية.
فالأمر الغريب في واقعنا المعاصر هو قتل الحرية من قبل بعض الدعاة و الأئمة و ذلك عن طريق رفض فكرة التجديد الديني في كل حقوله بفتوى تفيد بأن الدين كامل و أن
السلف استطاع أن يقنن و يفهم كلما أشكل في الدين و بالتالي فأي اجتهاد فإن ما هو جرأة علي السلف و الدين، و هذا المنطق المنغلق علي ذاته لا يفهم علي أنه شكل من أشكال المحافظة علي الدين بل هو شكل من أشكال الوعي الزائف .
أما في موريتانيا فإن العبودية تأخذ مفهومين:
العبودية التي تعني الاسترقاق و كلمة لحراطين التي تعني الحراثين كما يقول عنها البعض و تدل في الأغلب علي الأرقاء الذين حرروا حديثا من طرف أسيادهم، و بعبارة أخري حر ثاني أي من الدرجة الثانية ، أما الحر فهو الذي لم يستعبد هو و لا أجداده، و لحراطين في موريتانيا يشكلون الغالبية العظمي من المجتمع الموريتاني لهم ذاكرة جماعية مليئة بمخلفات عهود الرق الطويلة ويجمعهم ظلم السادة و هيمنتهم علي نفوسهم و امتلاك أجسادهم و تسخيرها لخدمتهم دون مقابل بما يخالف القانون و الشرائع وفق روايات كثيرة و متعددة لكنها اتفقت علي الشعور الشديد بالظلم الممزوج بالحسرة ، و تعتبر ممارسة أنواع الظلم الاجتماعي (عمليات البيع و الشراء) و التهميش و الإقصاء من أبشع الممارسات المنظمة ضد لحراطين ، إضافة إلي تدني مستوي تمثيل هذه الشريحة علي المستوى العسكري والأمني والتسيير الإداري لمؤسسات الدولة مما تطلب إحداث ردة فعل من طرف لحراطين عبر قيام حركات تدعوا إلي التحرير من الرق و محاربة الظلم و التهميش حيث كان ظهور حركة الحر في 05 مارس 1978 التي أخذت علي عاتقها مهمة النضال من أجل إشاعة قيم الحرية و العدل و المساواة بين كافة مكونات المجتمع.
إن ظروف تأسيس حركة الحر بدأت مع مبادرات شخصية كانت نتيجة للتجربة والمعاناة التي يعيشها الشخص المنتمي إلي شريحة "لحراطين" بمفرده وفي وسطه التقليدي الاجتماعي، حيث الظلم وعدم الثقة التي كانت شريحة "لحراطين" تعاني منهما بشكل كبير في تلك الفترة وشعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية علي الرغم من اعترافهم أنهم من مجتمع "البيظان"، حيث العادات والتقاليد واحدة، لكنهم يروا أنهم نفسيا غير مرتاحين، نتيجة للمعاملات التي تتسم بالدونية والإقصاء.
الناحية الأخرى أن الحركات التي تأسست قبل حركة الحر مثل (البعثيين، الذين يسموننا بالعرب السمر، أو الحركة الوطنية الديمقراطية التي لا أقول أنها من الناحية المبدئية لا تتحدث عن قضية الاسترقاق)، لكن نتيجة لعدم أي جدوائية لهذه الحركات بالنسبة لشريحة "لحراطين"، التي كان مناضلو هذه الحركات من المنتسبين لها في مرحلة معينة وهم من يتابعون الفكرة بالمناشير والدعاية، وبالتالي بناء علي هذه الملاحظات قام العديد من أطياف الفكر في الوطن بإنشاء مبادرات وكتبوا وثائق.
وانطلاقا من هذا تبين من خلال النشاطات الطلابية التي كان يقام بها في تلك الفترة أن هناك ثلاثة شرائح في البلد هي شريحة "البظان"، و"لكور" و، ويقومون بخدمة أنفسهم ولا يتركوا المجال لأبناء شريحة "لحراطين بالدخول معهم، نظرا لعدم الثقة التي يولونهم إياها وهذا ما ولد لديهم فكرة جديدة وهي أن مشاكل "لحراطين" يجب أن يتولوا هم وبأنفسهم طرحها ويفرضونها علي المجتمع عن طريق التحسيس، وتكونت مبادرة من طلاب الثانوية وخاصة (المدرسة الوطنية للإدارة)، وأصبحوا يجتمعون ويناقشون القضية ويقولون إن قضية هذه الشريحة لا بد أن تطرح للعلن.
إن تأسيس "حركة تحرير لحراطين في موريتانيا المعروفة اختصارا ب "حركة الحر" كان يوم 05 مارس 1978 و انطلاقا من ميثاق تأسيسي كان هو ميثاقها الأول ، انطلق من أن الدين الإسلامي مبادؤه تكفل الحرية والمساواة، وثاني منطلق كان هو ميثاق الأمم المتحدة سنة 1948، المتعلق بحرية الإنسان وانعتا قه، ثم فقرة في مثياق حزب الشعب الوحيد في موريتانيا أنذلك والتي يقول فيها أنه ضد استغلال الإنسان لأخيه الإنسان
أنواكشوط بتاريخ 05/03/2016
بقلم الكاتب سيدي ولد ملوك