قال الزعيم الرئيس للمعارضة الديمقراطية في موريتانيا الحسن ولد محمد إن النظام الموريتاني تراجع خطوات إلى الوراء في ملف الاسترقاق "بإنكاره لوجود العبودية في أكثر من خرجة له، سواء من رئيس البلاد، أو أعضاء حكومته، كما عاد للزج بمحاربي الاسترقاق في السجون عبر محاكمات سياسية، وفي تلاعب واضح بالملفات القضائية".
واعتبر ولد محمد في مقابلة مع صحيفة "الأخبار إنفو" أن "احتجاز ملف رئيس حركة "إيرا" بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، ونائبه إبراهيم ولد بلال عن الوصول إلى المحكمة العليا، ومنعهم من إكمال حقهم الطبيعي في التقاضي، وإطلاق حملات تشويهم ضدهم – وهم خلف القضبان – ليست سوى مظاهر قليلة من مظاهر الارتكاس الذي عرفه هذا الملف".
ورأى ولد محمد أن ملف الإرث الإنساني في موريتانيا "ما زال هو الآخر يراوح مكانه، والإجراءات التي اتخذت فيه كانت استعراضية واحتفالية، ولم تنعكس على واقع المتضررين الحقيقيين، ولم تُزل ظلما كان قائما، ولم تُعد حقا كان مسلوبا".
وشدد ولد محمد على فضائح النظام الحالي "طغت على كل الملفات الأخرى، فملف فضيحة تازيازات أمام القضاء الأمريكي، وجاءت تحقيقات "لموند" الفرنسية عنها بما يقطع الشك باليقين، وملف فضيحة الانتخابات والرشى المقدمة فيها قال فيها القضاء البريطاني كلمته، وفضيحة الاستبداد التي طالت مباراة "65 دقيقة" أطبقت أطراف الدنيا كلها، أما فضيحة "أكرا" وتبييض أموال العصابات فنار على علم".
وأردف قائلا: "الأدهى من كل هذا أن البلاد تتجه لتصبح أحد الثوابت في العناوين الرئيسية لأخبار المخدرات، ولم يعد الحديث فيها عن تاجر أو مهرب يحمل على أكفه كمية صغيرة يحاول النجاة بها، وإنما أضحى الحديث عن الطائرات والمطارات، وأسراب السفن والقوارب، وعابرات الصحاري، والمنازل والشقق المملوكة لشبكات عابرة للحدود في أرقى أحياء العاصمة انواكشوط".
وهذا نص المقابلة:
الأخبار: ما الذي قدمتموه في مؤسسة زعيم المعارضة؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: في البداية، هذه المنصب ، منصب سياسي ، يختلف عن بقية المناصب الانتخابية الأخرى، والتي يتقدم المرء ببرنامج انتخابي وعلى أساسه يتم انتخابه وتتم محاسبته. وهي – إلى ذلك – مؤسسة تشاركية، دور الزعيم الرئيس فيها، مقيد بالقانون. ومع ذلك فإن الأداء السياسي للمؤسسة، لا يخفى على المتابع، وخصوصا في الفترة الأخيرة.
فالمؤسسة كانت حاضرة في إضراب الزويرات، وفي محاكمات الحقوقيين، وواكبت الشأن العام، ومختلف التطورات السياسية في البلد، وسجلت مواقف حول مختلف القضايا الوطنية، فقد نظمنا لقاءات مع مختلف هيئات المجتمع المدني من صحافة ونقابات ومركز دراسات ومنظمات حقوق الإنسان في البلد، وهيئات شبابية مستقلة.
كما استفدت شخصا من اللقاءات النوعية مع مختلف قادة المعارضة في البلد، وشرحت لهم دور المؤسسة، وطبيعة عملها، ورغبتها في التعاون من أجل الإقلاع بالفعل المعارض في هذا البلد.
وقد نظمنا جملة من المؤتمرات الصحفية، والندوات السياسية، حول جملة من المواضيع الأساسية وقد كان للبناء المؤسسي جانب من اهتمامنا حيث نظمت اجتماعات الإشراف وفعلت الإدارة، وفعلت نظم المؤسسة، وأصبحت لها خطط وبرامج عمل معروفة.
وهي حصيلة مهمة في تاريخ المؤسسة ونسعى لعمل المزيد، رغم المعوقات والعراقيل المتعددة.
الأخبار إنفو: أين وصلتكم لقاءاتكم الدورية مع السلطات؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: هذا – للأسف – جانب من ظاهرة خطيرة في هذا البلد، تستحق التوقف معها، وهي ظاهرة تعطيل المؤسسات الدستورية، والقفز عليها، بل وتعطيل الدستور الذي تستمد منه شرعيته إن تطلب الأمر ذلك.
ولعل من مظاهر الطرافة في هذه الظاهرة الخطيرة أن من مبررات الانقلاب الذي قاده الرئيس الحالي يوم 06 – 08 – 2008 اتهام الرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بتعطيل المؤسسات الدستورية، وتم إنشاء محكمة العدل السامية في ظروف استثنائية أياما بعد الانقلاب بهدف الضغط عليه، لكن لا أحد يتحدث عنها اليوم بعد انتهاء الغرض منها، فلا مقر، ولا تشكلة، ورئيسها أصبح قائدا لتشكلة سياسية، وأعضاؤها خارج البرلمان، رغم الحاجة الماسة لهذه المؤسسة في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
والمجلس الإسلامي الأعلى لم يستشر - حسب علمي - في تاريخه إلا في قضية واحدة هي قضية تغيير عطلة الجمعة، أما المجلس الدستوري فهو في سبات لا يستيقظ منه إلا لإعلان نتائج الانتخابات التي تصله من جهة أخرى، وعليه تمريرها، أو حين يحتاج النظام لإنقاذه من مأزق قانوني مستعص، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لا يذكر إلا عند إقالة رئيسه، أو تعيين رئيس جديد له والحال نفسه بالنسبة لمؤسسة وسيط الجمهورية.
نحن إذاً أمام دستور معطل المؤسسات بفعل سياسية أحادية لهذا النظام والأنظمة المتعاقبة، نحن إذاً في مناخ مؤسسي مأزوم، فإذا كان هذا حال المؤسسات الدائرة في فلك السلطة فما بالكم بتعاطيهم مع مؤسسة للمعارضة نريد لها أن تكون بديلا جاهزا ومراقبا يقظا وحارسا أمينا لمصالح البلد وحصنا له من الفساد والمفسدين.
وبخصوص اللقاءات فالقانون صريح، المادة: 12 من القانون المنظم للمؤسسة تنص صراحة على أنه "... من أجل تشجيع الحوار السياسي بين الحكومة والمعارضة ينظم لقاء دوري كل ثلاثة أشهر..." هذا اللقاءات لم يحصل منها إلا لقاء واحد مع كل من الرجلين رغم تنبيهنا في الوقت، وكثرة ما لدينا من ملاحظات على الأداء الرسمي.
الأخبار إنفو: توصف مؤسسة المعارضة بأنها أداة لإرضاء قادة أحزاب المعارضة الرئيسية، وتوفير فرص لتوظيف عدد من نشطائها، لا غير؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: بغض النظر عن دوافع اللحظية والسياقات الخاصة التي أنشأت فيها، فإن فكرة المؤسسة فكرة مهمة ومتقدمة على مستوى الديمقراطية في البلد. ويمكنها أن تقوم بأدوار فعالة في تعزيز الديمقراطية، وخلق مناخ إيجابي للتناوب السلمي على السلطة، هذه القناعة هي التي جعلتني أكثر حرصا على أن تأخذ المؤسسة بعدا مؤسسيا لا يرتبط بشخص، وأن تعبر – فعلا – عن رأي تشكلتها لا عن رأي زعيمها الرئيس فقط. وهو ما تجسد في إدارة جماعية لمختلف الملفات أدت إلى الاتفاق على برامج ومواقف المؤسسة رغم انتماء أحزابها لأكثر من قطب سياسي معارض. وهو ما تجسد في حرصنا على تنظيم ندوات يشارك فيها خبراء وفنيون، ونظمنا لقاءات دورية مع الفاعلين المجتمعين في عدة مجالات، حتى يكون للمؤسسة دور في خلق نقاش حول أهم التحديات الوطنية، وأن نخرج المؤسسة من دور وظيفة "الإرضاء" إلى أداة لخلق نقاش مجتمعي نشط وفعال.
الأخبار إنفو: يفترض أن تضم المؤسسة كل أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، كيف تفسرون فشلها في هذه القضية؟ فضلا عن عدم اعتراف بقية أحزاب المعارضة المقاطعة بها؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: عجزت المؤسسة منذ تأسيسها أن تكون ممثلا جامعا للمعارضة، ولعلكم تذكرون المشاكل التي عاشتها المؤسسة في المأمورية الأولي بين القوي المعارضة وقتها واختلافها حولها، ودون الخوض في أسباب هذه الخلافات الموضوعي منها وغير الموضوعي. فقد عانينا في هذه المأمورية من أحد الأحزاب الممثلة في البرلمان، ومما زاد الوضع تعقيدا غياب بعض الأحزاب المعارضة الفاعلة عن الانتخابات مما حرمها من الناحية القانونية من مجلس الإِشراف، وأملى على بعضها موقفا متحفظا من مخرجات هذه العملية الانتخابية بما فيها المؤسسة.
وقد حرصت – منذ وصولي إلى هذه المؤسسة – إلى التواصل مع كل مكونات المشهد السياسي المعارض، وحاولت جهدي جمعه على المتفق عليه، مع احتفاظ كل طرف بخصوصيته، وما زلت أواصل جهودي في هذا الصدد، وأملي أن تكلل ذات يوم بالنجاح، آمل أن يكون قريبا.
الأخبار إنفو: ما هي أبرز المشاكل التي يواجهها البلد من وجهة نظركم؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: اسمحوا لي في البداية أن أتوقف مع مستجد لافت، وهو أننا في الماضي اعتدنا – عمليا – أن يكون جزء من مشاكلنا على بساط البحث في الخارج، وكانت الملفات الحقوقية والسياسية على رأس هذه الملفات التي تتداولها كبريات الصحف العالمية، وتستعرض أمام المحاكم، والمستجد اللافت الذي أشرت له هو أن النظام الحالي طغت فضائحه على كل الملفات الأخرى، فملف فضيحة تازيازات أمام القضاء الأمريكي، وجاءت تحقيقات "لموند" الفرنسية عنها بما يقطع الشك باليقين، وملف فضيحة الانتخابات والرشى المقدمة فيها قال فيها القضاء البريطاني كلمته، وفضيحة الاستبداد التي طالت مباراة "65 دقيقة" أطبقت أطراف الدنيا كلها، أما فضيحة "أكرا" وتبييض أموال العصابات فنار على علم.
والأدهى من كل هذا أن البلاد تتجه لتصبح أحد الثوابت في العناوين الرئيسية لأخبار المخدرات، ولم يعد الحديث فيها عن تاجر أو مهرب يحمل على أكفه كمية صغيرة يحاول النجاة بها، وإنما أضحى الحديث عن الطائرات والمطارات، وأسراب السفن والقوارب، وعابرات الصحاري، والمنازل والشقق المملوكة لشبكات عابرة للحدود في أرقى أحياء العاصمة انواكشوط.
ولم تظهر هذه الملفات والفضائح لأن غيرها لم يعد موجودا، وإنما لأن وقعها داخليا وخارجيا كان مدويا، وإلا فملف الاسترقاق على حاله، بل إن النظام عاد خطوات إلى الوراء بإنكاره لوجود العبودية في أكثر من خرجة له، سواء من رئيس البلاد، أو أعضاء حكومته، كما عاد للزج بمحاربي الاسترقاق في السجون عبر محاكمات سياسية، وفي تلاعب واضح بالملفات القضائية، وليس احتجاز ملف رئيس حركة "إيرا" بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، ونائبه إبراهيم ولد بلال عن الوصول إلى المحكمة العليا، ومنعهم من إكمال حقهم الطبيعي في التقاضي، وإطلاق حملات تشويهم ضدهم – وهم خلف القضبان – سوى مظاهر قليلة من مظاهر الارتكاس الذي عرفه هذا الملف.
أما ملف الإرث الإنساني، فما زال هو الآخر يراوح مكانه، والإجراءات التي اتخذت فيه كانت استعراضية واحتفالية، ولم تنعكس على واقع المتضررين الحقيقيين، ولم تزل ظلما كان قائما، ولم تعد حقا كان مسلوبا.
ولعلكم طالعتم خلال اليومين الأخيرين قصة منع الأديب ومدير الأمن السابق جبريل زكريا صال من الحصول على جواز سفره، والتلاعب الواضح والفج بملف وثائقه الرسمية، وحقه – كما هو حق أي مواطن – في الحصول على جواز سفره، والتشكيك في مواطنته، وهو أمر مرفوض ومدان، وقبل ذلك ملف مدرسة نسيبة رقم: 1، وما تعرض له الأطفال الأبرياء من غبن وتهميش وإقصاء، لا يقره منطق ولا قانون.
أما قصة القاعدة والسنوسي، واللتين انكشف المزيد من التفاصيل عنها خلال الفترة الأخيرة، ومن خارج البلد أيضا، فأخطر ما فيهما هو أننا لم نعد نخشى واقع الفساد على خطورته، وإنما انضاف له خطورة تاريخ الفساد، وتبعاته.
وإن صحت قضية بيع السنوسي، والدلائل للأسف تصب في هذا الاتجاه، فهي جريمة اتجار بالبشر، ووصمة عار على النظام الموريتاني، رغم أنه لا أحد يعارض أن تأخذ العدالة مجراها، ولا أحد ينكر حق الشعب الليبي في مقاضاة جلاديه، لكن بطرق قانونية عادلة، ومع احترام لقواعد الإنسانية، وطرق التبادل، والتسليم القضائي معروفة منصوصة، وليس من ضمنها الصفقات السوداء والمتاجرة بالبشر.
أما وثائق منزل بن لادن، فالنفي الرسمي لا يكفي حجة لدحضها، إذ من بين 113 وثيقة تم الكشف عنها، لم نسمع أي تكذيب – أو حتى تشكيك – في أي وثيقة من هذه الوثائق إلا في وثيقة واحدة تتعلق بموريتانيا.
والوثيقة تثبت زيف الادعاء الرسمي، باعتماد إستراتيجية أمنية ناجحة، والتسول عالميا بها، والتبجح بنجاحها، في حين أن هذه الوثائق تؤكد أن للموضوع جوانب أخرى قد لا تكون بذاك الإشراق.
وخلاصة القول أن منهج الصفقات، والبحث عن العمولات، يكاد يكون الثابت الوحيد، والدافع الأصلي في تصرفات وقرارات النظام السياسية، والاقتصادية، وحتى الاجتماعية.
كما عرف موضوع الحريات العامة تدهورا خطيرا، فعاد كبت الحريات، وقمع التظاهرات، ومضايقة الإعلام والإعلاميين، ووقف بث القنوات، والبرامج، ومنع الترخيص للأحزاب السياسية رغم اكتمال ملفاتها، وغير ذلك من مظاهر الاستبداد والدوس على الحريات المنصوصة في الدستور، والمضمونة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
الأخبار إنفو: ما هو موقفكم من الحوار السياسي؟ وماذا قدمتم لتوحيد المشهد المعارض؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: سأبدأ من الشق الثاني من سؤالكم، والمتعلق بوحدة المعارضة، الطبيعي، بل النموذجي أن تكون هذه المعارضة موحدة في الكليات، منوعة في الجزئيات، وهذا ما يمكن القول أنه واقع إلى حدا ما، أما توحدها في كل شيء فهو فضلا عن عدم إمكانيته قد لا يكون إيجابيا، إذ لو كان ممكنا لاندمجت في حزب واحد، وتنوع قناعات الجماهير، واختلاف أولوياتها ينعكس بالضرورة على تنوع وتعدد الأطر السياسية التي تنتظم فيها.
ولعل من المؤسف هنا أن التشكيلات المعارضة تحولت مع الزمن، ومع كثرة الحديث عن التوحد إلى أحزاب سياسية، بل أكثر من الأحزاب التي تحسم قراراتها بالأغلبية، في حين أن هذه التجمعات تشترط الإجماع – المتعذر – لقراراتها، وهو ما جعلها تتجاوز دورها من أداة لتنسيق الجهد مع المحافظة على التعدد، بل والتنافس البيني فيما خارج الإطار التنسيقي إلى أداة لإيجاد إجماع مستحيل، أو شبه مستحيل، والشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده.
يحتاج العقل المعارض في موريتانيا إلى التحرر من نظرة تقليدية يحكمها منطق إما نتفق في كل شيء، أو نعتبر أنفسنا مختلفين في كل شيء، وذلك بدل منطق التعاون في المتفق عليه، واحترام الرأي الآخر في المختلف فيه.
ولا يعني هذا – على الإطلاق – الدعوة إلى تشتيت المعارضة، أو القضاء على الأطر التنسيقية، وإنما يعني إبقاء هذه الأطر في إطارها الطبيعي، وتحت سقفها التنسيقي دون القضاء على خصوصيات الأحزاب، أو حتى تنافسيتهم على الجمهور المعارض.
وعلى العموم الفعل المعارض يسع الجميع.
أما بخصوص الحوار السياسي، فرغم الوضع الذي تعيشه البلاد، والعقبات التي تحدثت عنها سابقا، وطبيعة حكام البلد، فنحن نعيش لحظة دستورية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، نحن أمام رئيس في مأموريته الأخيرة دستوريا، وعليه بقوة الدستور أن يغادر الحكم 2019، ونحن أمام واقع سياسي ومؤسساتي هش، وبلدنا معرض لاضطرابات اجتماعية خطيرة، زرعتها الأنظمة السابقة وكرسها النظام الحالي وزاد من خطورتها، وفي محيط إقليمي مضطرب يهدد كيانات الدول بالاضمحلال، وعليه فإن أي عبور آمن من الواقع الذي تحدثت عنه آنفا، لا يمكن أن يكون إلا عبر حوار سريع و شامل وصريح يفضي إلى توافق وطني يكرس التناوب، ويطلق الحريات، يؤسس لدولة القانون و العدل، وينصف المظلومين والمهمشين، هذا هو الرأي الذي تمليه المصلحة، وتقتضيه الديمقراطية.
ونحن في المؤسسة نعمل من أجل إطلاق هذا الحوار الشامل، وندعو الطبقة السياسية للوعي بضرورات اللحظة، وتذليل جميع العقبات التي تقف أمام الحوار، وتبقى المسؤولية الكبرى في تعطيل الحوار على النظام الذي يتلاعب بهذا الملف الحساس.
الأخبار إنفو: يفترض في المعارضة أن تصنع من نفسها بديلا جاهزا للنظام، وحكومة موازية تسهر على رقابته، ألا ترون أنكم بعيدون جدا عن هذا الدور؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: يحدث هذا في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، والمستقرة، والتي تحكم فيه الطبقة السياسية، وتتنافس فيها البرامج، الديمقراطيون والجمهوريون في أمريكا، العمال والمحافظون في بريطانيا، الاشتراكيون واليمين في فرنسا، أي البلدان التي حسمت فيها طريقة الوصول إلى السلطة، واستقرت طريقة التداول عليها.
أما في بلد ما تزال الانقلابات العسكرية الطريقة الوحيدة للوصول إلى السلطة فيه، فمن غير الوارد تحميل المعارضة مسؤولية أكبر من دورها، ما زلنا جميعا نناضل من أجل تحديد طريقة التناوب السلمي على السلطة بعيدا عن الانقلابات والانقلابات المضادة، وقبل أن يتحقق ذلك لن يكون للفعل المعارض، بل ولا حتى الفعل السياسي في هذه البلاد أي دور.
الأخبار إنفو: الثابت في خطاب المعارضة في موريتانيا هو خطاب التأزيم، من خلال الحديث الدائم عن أزمات خانقة؛ سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ما مظاهر – أو أدلة – هذه الأزمات التي تتحدثون عنها؟
الزعيم الرئيس للمعارضة: نحن في المعارضة نتحدث عن واقع أنتجته ممارسات الأنظمة. و للأسف فان فساد هذا النظام وعجزه لا يحتاج إلي دليل
قاد هذه النظام بضعف بصيرته، وغياب تخطيطه، وفساده، البلاد إلى نفق اقتصادي مظلم، شركة "اسنيم" التي تعتبر عصب الاقتصاد، وأكبر مشغل بالبلاد بعد الوظيفة العمومية تعيش وضعا كارثيا، وسنوات ازدهارها تم الافتخار بخزائنها الممتلئة من فائض أسعار الحديد، وتم تبديدها، حتى انهارت أسعار الحديد، وانهارت معها الشركة بكل أسف.
الأسعار في ارتفاع صاروخي، زاد من حدته قانون الميزانية الأخير، والذي يعتبر قانون جبايات بشكل مكشوف، أسعار الأرز، والقمح والسكر، وكل المواد الأساسية في النظام الغذائي للمواطنين تواجه ارتفاعا مستمرا ومتزايدا.
العملة الوطنية تنقص قيمتها في صمت، والمستثمرون - أجانب ووطنين – ما بين ضحية فساد، أو شريك إفساد.
البطالة تتزايد، وخصوصا في صفوف الشباب، وحالات الفصل التعسفي من العمل تتكرر، وليست حالة عمال خفر السواحل آخر تلك الحالات، إذ أعلنت الوظيفة العمومية أمس الثلاثاء عن فصل المئات من عمالها، وهو عدد سنحتاج سنوات لاكتتاب عدد مماثل له، ومعاناة سكان الريف يعجز الوصف عن تحديد حقيقتها.
وحالات الخدمات الأساسية متردية، سواء الصحة التي تعاني من موت سريري، أو التعليم الذي يواجه التردي في شتى مجالاته، وكانت آخر فصوله مع "السنة" التي خصصت له العام الماضي، والتي عرفت أكبر من الفضائح، من تدني نسبة النجاح، إلى تسريب الباكلوريا، إلى إلغاء نتائج لجنة المنح، وإعادتها بشكل غير شفاف، ثم مماطلة الطلاب في عقد الدورة الثانية من لجنة المنح إلى اليوم.
كما تتزايد معاناة سكان المدن مع الماء والكهرباء، وترتفع وتيرة هذه المعاناة مع كل فصل صيف، أما سكان القرى والأرياف فالماء والكهرباء بالنسبة لهما أحلام لا أحد يدري متى ستتحقق.
وأخطر ما في هذا السياق هو إصرار هذه الحكومة على التربح على حساب المواطنين، من خلال نشازها بالإصرار على المحافظة على أسعار الوقود على ما هي رغم انهيار أسواقها عالميا، وتخفضيها من دول الجوار مرتين إلى ثلاث. إنه أمر لا مبرر له على الإطلاق، ويبرز أن الحكومة تفكر في كل شيء إلا في رحمة هذا الشعب، ومنحه ما يستحق من عناية ورحمة.
أما الأمن فالأشهر الأخيرة في انواكشوط تكفي للتدليل على حجم التدهور الذي يعرفه، فحالات القتل، والسطو، والسرقة أضحت منتشرة بشكل مخيف، وحالات الهروب من السجن تجاوزت الشكل الانفرادي إلى الجماعي، وبالتالي فهو ملمح على فشل هذا النظام في الجانب الذي راهن عليه، وزايد فيه.