يترقب الطيف السياسي بشقيه الموالي و المعارض وعامة النخبة والقاعدة الشعبية في البلاد قمة عربية في الأفق ستكون خطوة رمزية استعراضية أكثر منها عملية في العاصمة الفتية انواكشوط ... ربما يطرح البعض السؤال : من ستسع عاصمتنا المتواضعة من الأباطرة والملوك والأمراء والرؤساء ومن ذا الذي سيأنف المجيء إلينا لحلحلة الحالة الراهنة لتشرذم العرب ؟ لا يغيب عن الولدان قمما لا تعد ولا تحصى للمنظومة العربية منذ نشأتها 22 مارس 1945 كاستجابة للرأي العام العربي حول القضايا المصيرية المشتركة , لكن الأهداف المنشودة من تلك القمم لم ترى في الأذهان , ولم تتجل في الواقع , فلا زالت الرؤية قاتمة في ليل دامس ....و لا تزال العثرات والنكبات من المحيط إلى الخليج تتخطف شعوباً تقطعت أوصالها , ويوما بعد يوم يزيد حكامها التركة ثقلا على أجيالها القادمة بخلق حروب ودمار وتجاهل للظلم والاستعمار ... ففلسطين تموت سريريا وسوريا تحتضر واليمن تعود لسيرتها الأولى بالتقسيم والحرب والتشريد ..ناهيك عن ليبا ولبنان ومصر ... والقائمة تطول وتطال كل يوم آخرون , ومع هذه الأوضاع المتفاقمة على مستوى الأمن والسلم الاجتماعيين يأتي التخلف والفقر والبطالة مجتمعين كمتلازمات تنغص وتكدر صفو الغالبية العظمى من الشعوب العربية , فاقتصاديا المنطقة العربية رغم ثرائها الطبيعي ووفرة المصادر البشرية فيها إلا أنها تنقسم من تلك الناحية إلى قسمين : قسم ثري فاحش : ويتمثل هذا القسم في دول الخليج (السعودية . قطر , الكويت , الإمارات العربية المتحدة ...) وقسم فقير: تتعاقب عليه الأزمات الاقتصادية الخانقة من حين لآخر وتطحنه الحروب والفقر دون أن تشكل معاناته للقسم المذكور أعلاه معضلة يجب حلها , وهذا القسم يشمل أغلبية البقية الباقية , وفي ذلك تطالعنا غرائب الأخبار أن الولايات المتحدة الأمريكية لما ضربها الإعصار المسمى " كاثرينا " في العام 2005 تنافست دول الخليج(المعني الأول بمشاكل العرب حاليا على الأقل الاقتصادية منها ) في تقديم المساعدات إليها أكثر من أي دولة أخرى , بينما لا يسعها اليوم - وقد صارت أغنى من ذي قبل بدرجات - أن تضع خطط اقتصادية محكمة لإنقاذ إخوتها , ونحن نعلم علم اليقين أن ما تشهده منطقة النار من نار ما هو إلا بسبب انعدام مياه تطفئ أعمدة الفقر والدمار وانتشار الفاقة ... والتطرف الذي أصبح سمة ملازمة للفقر ونتيجة من نتائج البطالة . وتجدر الإشارة إلى أن قبول السلطات الموريتانية الحاكمة استضافة القمة المذكورة نيابة عن المغرب التي اعتذرت في آخر المطاف , إنما يعبر في جوهره عن اقتناص فرصة رمزية , وحقَا كان يطارَد منذ أربعين سنة مرت على عضوية موريتانيا دون حصولها على شرف من هذا النوع , وهو ما يشكل تغاضيا عن النتائج التي من الممكن أن تكون مصيرية لدورها الدبلوماسي وهذا تسرع ربما يتعين أخذه على من هم خلف كواليس السلطة ويديرونها , بل إن الأمور كانت لتجري بما تشتهي الأنفس لو أن السلطات أخرت تلك الفرصة لحين تآلفٍ بين القادة العرب المنقسمون , ليخف الحَمْلُ و ليلا يُهْدر حظا بنتائج غير مضمونة وقد لا يتكرر ذلك الحظ في القريب العاجل - علما أن حُكمًا من هذا القبيل قد يكون سابقا لأوانه دون انتظار ما سيتمخض عنه تنظيم القمة من نجاح أو إخفاق بالمقابل - وحيث ذلك فإن أي نجاح في هذا الإطار يكمن في بعدين : البعد الأول يتمثل في الحضور كمًّا ونوعا أما البعد الثاني فهو مستوى القرارات الختامية التي ستتخذ والتي ستصير فيما بعد قوانين معمولا بها ويتعين أن تكون شاملة - وهذه من ثالث المستحيلات ربما في ظل التنافر والانشطار الراهنين, إذ لتحقيق ذلك لابد من انتهاج سياسة رأب الصدع التي كان يجب أن تسبق القمة لتلطيف الجو بين الإخوة العرب ولعب أدوار تحفيزية على المشاركة . وقد لا تكون الدبلماسية الموريتانية ذات تجربة وباع طويل في هذا النوع من المناورات يجعلانها أهلا للمهمة , مع العلم أن ذلك لا يحتاج لسوى العمل المكثف والوقوف موقف وسط بين الجميع , فالواقع العربي بشكل عام يمتاز هذه الأيام بتمزق لم يسبق له مثيل , والأدهى والأمر أن بعضا من الإخوة العرب يساهم في اتساع الهوة بين بعضهم وسد السبل أمام الحوار والحلول السلمية , فما الذي يمكن لا نواكشوط إضافته بهذا الخصوص وهي التي تمر بفترة مِراءٍ سياسي غير مسبوقة بين أطيافها المتسيسة ؟ عرفت موريتانيا في الآونة الأخيرة انفتاح دبلوماسي وتأثير على المستوى الإقليمي والقاري تجسد ذلك منذ تسلمها الرئاسة الدورية للإتحاد الإفريقي , حيث تدخلت في عديد القضايا القارية الأمنية , إضافة لبروز بعض الشخصيات الوطنية على الساحة الدولية للعب أدوار الوسيط على غرار إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي لليمن . أمور من بين أخرى ربما تعزز من قدرة الدور الموريتاني وحظوظه لتحقيق ما يأمل منه في تنظيم اللقاء العربي المنتظر مع العلم أن عدم الجدية التي سيطرت على الجامعة منذ وجودها قد تخفف المسؤولية عن انواكشوط التي لا تعلو شأنا في هذا الإطار , ولبرما يصب أيضا الموقف الموريتانيا المحايد من الانقسام العربي حول سوريا بالذات في صالحها من أجل إنجاح القمة المعتزمة استضافتها إن هي أمكنها توظيف دبلماسيتها على الوجه المطلوب , فحتى الآن لا توجد لها مواقف مؤيد لطرف على حساب آخر من القضية السورية التي هي قضية الساعة والعالم أجمع والمقسٍّم الأساس للرأي العام العربي , كما يمكن أن يلعب العامل الأمني الذي امتاز في السنوات الأخيرة بتميزه في المنطقة عاملا محفزا للحضور الذي ذكرنا آنفا أهميته في ضمان النجاح النسبي إضافة لما سبق ذكره ... وعلى العموم فإن تحديات التنظيم تبقى هي الأخرى لها ما لها من جانب البنية التحتية والتنظيمية المتواضعة والتي قد تشكل بدورها عامل تردد لملوك الخليج ومن شاكلهم في الرخاء .
بقلم محمد عاليون صنبيت