انتشرت في الأيام الماضية حملة قوية على مقالة نائب رئيس الجمعية الوطنية محمد غلام ولد الحاج الشيخ وقد ولغت تلك الأقلام في عرض النائب الموقر، وسارت مشرقة ومغربة تنتقد ما ذهب إليه في مقاله " الموسوم بهل وصلت الرسالة.
وأجمل ما في تلك الرسالة أن بعض الكتاب والمدونين بدأ يتعلم من خلالها فن الكتابة وأساليب الرد والهجاء، وآخرون ناقشوا طرفا منها، وآخرون ناقشوها انطلاقا من اسم الرجل، فهو اسم متى ما ظهر في شأن عام أو خاص استحق من نابحة النظام تدبيج الهجاء وإرسال الرغاء.
ومن الكتاب أيضا من يعبرون – كما قدمتهم الصحافة قبل فترة – عن رأي كتاب آخرين، ولهذا اجتمع على النائب كل هؤلاء الكتاب وارتفع الثغاء بمضامين من غثاء.
وحيث أن مقال النائب محمد غلام، كان صارما واضحا وحديا، وتعبيرا عن انهيار جسر الثقة بين حزبه تواصل والنظام العزيزي الحاكم في هذا البلد المنهار، فقد رأيت أن من واجبي السعي إلى رفع الملام عن مقال النائب محمد غلام.
وأبدأ هذه الأسطر بسياق الرد على الذين يكيلون الشتائم والأهاجي للرجل بسبب مواقفه من النظام لا بما يعبر عنه من آراء آنية أو مقالات محددة المضمون في الزمان والموضوع.
أقول لهؤلاء إن محمد غلام ولد الحاج الشيخ من أنبل رجال السياسة في هذا البلد، وأكثرهم صدعا بالحق في وجه الظالم، وهو مظهر لشمولية الشخصية الإسلامية المتوازنة، فهو الخطيب البارع والسياسي والمفاوض الذي يحسن المحاورة والمناورة.
وهو الأمام الأواه وهو وجه من أوجه موريتانيا المشرقة، حمل اسمها بين أمواج البحار وكتب لها تاريخا مشرقا من ذهب مقاومة التطبيع، ومقاومة الظلم والظلام والظلاميين.
وهو بهذا المقام مشهود له من النخبة والخيرة بذلك، ولذلك لن تضره الأقلام المستأجرة ولا البقايا المتخلفة من أمشاج الشعوذات والأخلاق القذافية.
أما في المضامين
فإن أول فكرة طرحها محمد غلام ولد الحاج الشيخ هي أن الحركة الإسلامية – وهو الأدرى بها أهدافا ومرامي وتاريخا- لا يمكن اختصار عملها في عمل تزكوي يربي قلوبا وجلة وعيونا ذرافة، فحسب بل هي حركة مدافعة ومقاومة وبناء حضاري ومغالبة للظلم والظالمين في
آن واحد وبناؤها لبنات لا تقوم واحدة منها مقام أخرى ولكن تتكامل وتتعاضد وتكون كالبناء المرصوص والجسد الواحد إذا أصابه ألم تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
هنا تفهم شمولية منهج الإسلاميين، فمؤسسات الخير والنفع العام ومنابر العلم ومراقي السياسة كل أولئك في حلقة واحدة وجسد واحد
ومن أراد وجها لشمولية الإسلام غير ذلك فليرنا رأيه ومنهاجه وليحذر من ضرب الأمثال بسلطان قديم مذكور في زبر الأولين حمل لقب رئيس العمل الإسلامي، ورئيس الفقراء ثم كانت له اليد الطولى مع ذلك في الفساد والإفساد ونهب الخيرات، وفي عهده انتعشت تجارة المخدرات إلى حد لم يسبق له مثيل.
وأخذ نديه وقبيله في نهب المال عاما وخاصا، حتى أزفت آزفة الجفاف والجوع وألقى الإخفاق السياسي والأخلاقي على الناس جرانه، والتقت حلقتا البطان على الشعب ونودو بالصيلم الصماء.
هنالك بان للناس أن لم يكن ذلك المخلوق برئيس للعمل الإسلامي ولا رئيس للفقراء.
أما ثالث المحاور التي ذكرها النائب الموقر في رسالته هو ما يتعلق بضرورة مراجعة الإسلاميين لمواقفهم من السلطة الحالية، وقد جلب فيه النائب دلائل كثيرة وفتح نقاشا ينبغي أن يتواصل وأبرز معالم هذا النقاش ما يلي
أن مشروع الإسلاميين مشروع بناء دائم ومتواصل متوزع على كل مجالات الحياة، شامل شمولية دعوة الحق والمسؤولية.
أن النظام الحالي - وهو النسخة الأكثر رداءة بين الأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد منذ أن سرق العسكر صواع الملك وانطلقت مسيرتهم الهدامة يصرخ التاريخ في أعقابها : أيتها العير إنكم لسارقون – يركز أعماله على دمار الحركة الإسلامية وقطع أوصالها وتخريب أعمالها تمده في ذلك عوامل وأسباب من أبرزها
علماء سلطة : عرفوا بتعليق مواقفهم بظلال السلطة، والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد وأن تحصى، فلا أحد ينسى أولئك العلماء الذين ساندوا جرائم كثيرة من أبرزها
قتل الضباط في 1981 ورأوا ذلك من واسع عدل السلطة.
سجن البعثيين سنة 1987 وفصل المئات منهم، وكان الفقهاء ما بين مشيد ومؤيد أو صامت مائت.
الجرائم والتصفيات العرقية التي وقعت ضد الزنوج فلم يتحدث عنها متحدث غير الشيخ بداه تغمده الله برحمته
الفساد وتزوير الانتخابات طيلة فترة الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع وهو الفساد الذي اعترف به المسؤولون الكبار ورآه الناس عيانا فلم يكن من الفقهاء إلا الإشادة بذلك النظام والسير في حملاته والسعي إلى بركاته.
الفساد المتنشر والذي كلف الدولة الموريتانية ما يناهز مئات المليارات من الأوقية، فلم نجد من فقهاء السلطة من يقول إن مال الشعب معصوم حرام، بل سمعناهم يطالبون الناس بأن يسمعوا ويطيعوا لمن لا يحكم بشرع ولا قانون ولا يحكمه عقل ولا خلق.
حركات التنصير المنتشرة في طول البلاد وعرضها بل وجد من العلماء من صحبها مرشدا وموجها ومباركا، بل دخل معها في تفاصيل التفاصيل شارحا لضرورة استخدام العازل والواقي في العلاقات الجنسية، مانحا اسمه وصفته وبركته للهيئات التنصيرية تشرع به عبثها بهوية البلاد ودينها.
هؤلاء وأمثالهم أكل الباطل أشداقهم، وجعلهم الظلم منصات لإطلاق صواريخه، فصاروا وأمثالهم من المثقفين والسياسيين أشبه ببعض أجهزة التبريد تضع فيه قطعة نقدية، فتخرج لك قنينة عصير أو قنينة ماء وهؤلاء أيضا تضع فيه سلطة رزمة مال أو تعدهم بذلك فيخرج الموقف فتوى أو مقالا أو اجتماعا داعما.
هؤلاء الذين ساندوا المختار ولد داداه رحمه الله تعالى، ثم ساندوا من انقلب عليهم، ثم ساندوا ولد هيدالة حتى إذا سقط ساندوا ولد الطايع ورأوا سقوط ولد هيدالة نورا وفرجا، ثم ساندوا جرائم ولد الطايع وإرهابه وظلمه، قبل أن يلعنوه لعنا ويساندوا المجلس العسكري، ثم يساندوا سيدي ولد الشيخ عبد الله قبل أن يلعنوه ويطعنوا فيه، ثم ساندوا محمد بن عبد العزيز فرشحوه لأمر لا يصلح له – ومحله أن يرعى مع البهم – ثم وشحوه بالصفات السنية التي هي مناط الثريا رامها المتناول
إن القياس الطبيعي يجعل المتوقع من هؤلاء إذا سقط ولد عبد العزيز – وهو أمر واقع لا محالة – أن يشعلوا في جسده السياسي حطب التكفير والتضليل، في وفاء تام لمنهجهم القائم على أن لا وفاء للشخص ولا للمبد
إن لسان الحال اليوم يخاطب الناس جميعا ليذكرهم بقوله تعالى " ستكتب آثارهم ويسألون" وما أحسن قول الزمخشري في ذلك "" أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها وما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علموه أو كتاب صنفوه أو حبيس حبسوه أو بناء بنوه أو مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك،أو سيئ كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين وسكة أحدث فيها تخسيرهم وشيء أحدث فيه صد عن ذكر الله: من ألحان وملاه وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها (الكشاف)
ضرورة المراجعة
إن مواجهة الظلم وإدالة الظالمين والانتصاف للمظلومين أسمى مراتب تعمير الأرض وإقرار منهج الخير فيها، بل هو أسمى من إطعام الجائع وكسوة الفقير وكل ذلك خير وينبغي أن يتكامل كل ذلك، لكن الظالم اليوم لا هو بمطعم فقيرا ولا هو بتاركه يطعم مما في الأرض من خيرات وما بيد الناس من كرم وخير.
هذا الظالم لا يريد وفاقا ولا يريد مصالحة ولا يقرأ الرسائل الودية ولا الإيجابية ولا يفهم أن القدرة على التنازلات تعني أيضا القدرة على التصلب والمواجهة.
وعلى كل حال فإن رأي محمد غلام ولد الحاج الشيخ بضرورة مراجعة الموقف من النظام ليس عزفا منفردا بل هو رأي عام لدى الشعب الموريتاني كله وقواه المعارضة التي نفضت أيدها من النظام بسبب أكاذيبه ونكثه لوعوده، وبسبب ما أوصل إليه البلد من دمار أبرز مظاهره الآن :
فساد غير مسبوق، ونهب لخيرات البلد ناهز ما يقارب 20 مليار أوقية، تم تسريبها إلى بنوك خارج موريتانيا وهي عرضة لأن تذهب هباء بسبب حادثة الشاب المرحوم.
انتشار غير مسبوق للمخدرات، وحماية النظام لبارونات الاتجار بالحشيش والكوكايين
إفلاس اقتصادي ورضوخ هائل لشروط البنك الدولي بما يعني تخفيض قيمة العملة وتسريح العمال
وضع معالم التوريث، حيث تعبث السيدة الأولى بالمال العام ويطلق بدرها رصاصة الرحمة على ما بقي من هيبة الدولة المقعدة.
ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وانهيار القدرة الشرائية للمواطن.
التلاعب بالوحدة الوطنية وجعلها ميدانا للمؤامرات وضرب كل شريحة من المواطنين بأخرى
كل هذا يدعو الجميع إلى أن يصطف صفا واحدا لمواجهة النظام والعمل على إزالة أركانها وإنهاء طغيانه.
وبالسعي إلى إسقاط النظام بطرق سلمية مدنية وبغضب جماهيري مسؤول، يرتفع الملام على كل مواطن، وبها يرتفع الملام عن رسالة محمد غلام.
السبت 5/3/2016
بمدينة دكار حاضرة البلاد السنغالية