ظل برنامج الأطفال في التلفزيون الموريتاني لمدة طويلة من الزمن، يعكس لونا واحدا، وفئة واحدة، وثقافة واحدة، وذلك أمر معلوم لدى كل المشاهدين، وليس محض صدفة بكل تأكيد.
وبعد أن كثرت الأصوات المطالبة بالإنصاف أصبح تمثيل أطفال لحراطين في البرنامج المذكور سالفا، كتمثيلهم في مجلس الوزراء أو أقل قليلا، ولك أن تتخيل ذلك عزيزي القارئ.
.
يجلس أطفال لحراطين أمام التلفزيون كل مساء، ولكنهم لا يشاهدون ذواتهم ولا أقرانهم من بني جلدتهم، وعندما يأتي دور الكبار يبقى تقديم النشرات والبرامج محصورا في لون واحد، وفئة واحدة، وإن كان يعكس ثقافة جامعة لعدد من فئات المجتمع فإنها تقدم من زاوية مجتزئة، ومشوهة، لا تفصل بين التراث والواقع، وبين الماضي والحاضر، وليس برنامج "اجماعة" ، بما يكرسه من قبلية وتراتبية مقيتة، عنا ببعيد، حيث تبقى صورة الشاب الحرطاني المركون في زواية منفصلة عن "علية القوم" ـ وهم يتطارحون مدائح قبائلهم ويتدارسون أنسابهم ومناقبهم، في تغييب تام لتاريخ من المعاناة والإستعباد عاناه أجداده، وحاضر من العبودية والإقصاء والتهميش يعانيه هو وأقرانه ـ لإعداد الشاي، أكبر شاهد على الصورة العنصرية والنظرة الدونية التي تسعى دولة القبائل، بكل وسائلها، إلى تكريسها وتأبيدها في ذهن المشاهد وواقعه وفكره وخياله.
.
وبعد أن كثرت الأصوات المطالبة بالإنصاف، نال الكبار من تقديم البرامج والنشرات حظا مماثلا لما ناله الصغار في برنامج الأطفال، وهو نفس حظ لحراطين من مجلس الوزراء، ونسبتهم في عدد الجنرالات، وتمثيلهم في الحكام والولات ورجال الأعمال، ببساطة هذا هو نصيبهم من المحاصصة القبلية القائمة.
.
وليس الأمر عائدا إلى نقص في التكوين أو التعليم خاص بلحراطين، فقد عمت البلوى بذلك ـ تلك مصيبة أخرى ـ وعدد حملة الشهادات منهم لم يعد أقل من عددهم في أي مجموعة أخرى، ولا عدد الفقهاء أو العلماء، ولكنها الوساطة والمحسوبية، المتحكمة في كل شيء، والتي تمر في طريقها إلى الإدارة المعنية، بوجهاء القبيلة، وهنا تختفي الكفاءة وتتلاشى الشهادات، ويبرز دور المكانة الإجتماعية المتوارثة "كبر خيمت البو" وهذا هو مكمن الداء ومنطلق التهميش والإقصاء.
.
أتذكر في هذا المضمار، حين قدم مجموعة من التلاميذ خلال النصف الأول من العقد الأول من هذا القرن، طلب ترخيص ناد ثقافي إلى مدير إحدى ثانويات انواكشوط، لا داعي الآن لذكر اسمها أو اسم مديرها، فما كان من المدير سوى أن طلب منهم بكل لباقة إضافة ملف يتضمن صور المكتب التنفيذي للنادي، فقلب الصور ذات اليمين وذات الشمال، وكان كل أعضاء المكتب التنفيذي احراطين، باستثناء عضو واحد من فئة البيظان، فرفض المدير ترخيص أنشطة النادي في الثانوية، بحجة أنه ناد عنصري، في المقابل كان هناك ناديان ثقايان ينشطان بقوة، وكان جل أعضائهم إن لم أقل كلهم، من فئة واحدة، لكنهم لم يكونوا أندية عنصرية في عين مدير الثانوية، مربي الأجيال وحارس القيم الإنسانية، ربما يكون الأمر عائدا إلى أنه يحق لبعض الفئات، ما لا يحق لغيرها.
.
أتذكر أيضا، حين لفت الإعلامي والمناضل أحمدو ولد الوديعة في مقال له بعد حضوره محاكمة قادة حركة "إيرا" في مدينة روصو على خلفية مشاركتهم في قافلة منددة بالعبودية العقارية، انتباه القراء إلى ملاحظة ذكية وجريئة، وهي أنه بعد مرور ما يزيد على ثلاثة عقود من محاكمة قادة حركة الحر في نفس المحكمة على خلفية وقوفهم في وجه الإستعباد، فإن التاريخ يعيد نفسه، حيث المتهمون من أبناء العبيد (لحراطين) والقضاة من أبناء السادة، والقضية هي ذاتها والمحكمة هي ذاتها.
فهل جاء كل هذا محض صدفة ؟، أم أنه نتيجة مباشرة لسياسات أنظمة دولة القبائل المتعاقبة منذ ذلك العهد؟، وهي نفسها الأسباب التي أدت إلى وجود مدرسة بلون واحد، ومن فئة واحدة، في مقاطعة أغلب سكانها من نفس الفئة !
.
الغرابة إذا ليست في كون فريق مدرسة نسيبة(1)، تم إقصاؤه على أساس عنصري، بل الغرابة كل الغرابة، أن يكون إقصاؤه جاء لسبب آخر أيا كان ذلك السبب !
.
بقلم : أبوبكر ولد المامي.