قد كتب الكثير حول مفهوم الوطن و الوطنية لذلك يجد الباحث نفسه أمام كمّ هائل من التعريفات للوطن والوطنية - لأنها ليس لها تعريف جامع مانع - فهي تتفق حينا وتختلف أحيانا أخرى..
ومن هنا يبرز السؤال الجوهري هل: الوطن والوطنية مجرد مكاسب مادية ؟!
فرغم أن الوطن هو المهد الأول للإنسان الذي ارتبط بحبله ،ارتباطا عميقا ،أصله ثابت وفرعه في السماء ، قبل أن تمتد عين الإنسان إلى العالم الآخر.
فلا نستغرب - ما دمنا في عصر العولمة والحضارة المادية - وجود بعض الناس ممن يحمل هذاالمفهوم الخاطئ ، وهذا الفكر السيئ ، الذي لا يمكننا التسليم به اطلاقا، والذي يعتبر - تطاولا منه - الوطن كبقرة حلوب ، طازجة اللبن ، تمتد يده لتحلبها ، كل حين فإذا جف ضرعها تولى مستكبرا ، بل إنه يعرض احيانا "بقرته" للبيع في المزاد العلني، فإذا لم يجد إلا المناقصات باعها ولو بالدين !؟
كما أننا لا نستغرب من بعض الفئات الانتهازية - التي تظهر بين الفينة والأخرى - أن تصرخ في وجه الوطن، بل قد يوصلهم حنقهمإلى البصاق عليه ، فهؤلاء لا همّ لهم إلا بطونهم الجائعة ،وأفواههم الفاغرة ، كالفئران الوقحة ، أو كالقطط التي تأكل أولادها !! وعند البطون تذهب العقول .
ولا نستغرب وجود من ينادي برحيل الوطن !! ارحل ارحل يا وطن !!
فالوطن في نظر أولئك لم تعد فيه :" بقية أخلاق وشيء من التقوى " ، ولم يعد محط اعجاب الناس جميعا ومصدر سعادتهم .!!
فما اغرب أن يتنكر الإنسان لوطنه الكريم ، الذي ضمه عند أول صرخة له في الوجود .
وما أشد غباوة الإنسان حين يقيس الوطنية بالمعيار المادي ، والمقاييس النفعية فقط ، غاضا الطرف عن المنافع المعنوية ، ضاربا بها عرض الحائط ، لا يبتغي إلا مصالحه الضيقة، فإذا وجدها صفق وزغرد ، وإذا لم يجد ذلك ظل وجهه مسودّا وهو كظيم ، طول العمر طول الحياة ، مرددا مع الشاعر قولته المشهورة :
إذا لم أجد في بلدة ما أريده ## فعندي لأخرى عزمة وركاب .
متجاهلا قول الشاعر :
بلادي وإن جارت علي عزيزة ## وأهلي وإن ضنوا علي كرام
بل متناسيا قول الآخر :
ولا خير في من لا يحب بلاده ## ولا في حليف الحب إن لم يتيّم !!
فكل أولئك مرضى القلوب بلا احساس ، بلا انتماء فهم ابناء المادة ،وادعياء الوطن ، وعندهم ضبابية في رؤيتهم الوطنية .
فالوطن اغلى من الربح ، واحلى من الحرية ، وليس مجرد مادة هلامية ،تتمدد بالحرارة وتتجمد بالبرودة ، بل الوطن روح وجسد ، والوطن جسد ، والوطنية روح ، وهل يعيش الجسد بلا روح ، وهل تعيش الأسماك خارج البحر ، وهل يمكن لإنسان أن يعيش بلا روح ولا ماء ولا هواء !!!؟؟
فلا بد أن يقبّل الوطنيّ جبين أرضه ،ويعانق بلاده ، ويقبّل تربتها ، ويستنشق عبير نسيمها .
فبحب الوطن ، والغيرة عليه ، تكون الوطنية أو لا تكون .!!
د/ دداه بن الدي 09/01/2016 م