همسـات مع صـــــــــدام !

خميس, 2015-12-31 02:07

قبل تسع سنوات في مثل هذا اليوم كان العالم ـ وخاصة العربي ـ على موعد مع صورة حصرية من الإنتقام والإذلال، تمثلت في إعدام الرئيس العراقي صدام حسين يوم عيد الأضحى (30/12/2006)، تصوّروا الإعدام يوم العيد !!
كانت ذلك الحكم وتنفيذه ترجمة حقيقية لدخول العراق ـ وجزء كبير جدا من الأمة العربية ـ مرحلة جديدة فعلية من التشرذم، ومن التبعية المذلّة لقوى الإستكبار والقهر بقيادة أميركا المتجبّرة !
كان صدام حسين يعرف أن أمريكا ستغتاله، بل صرّح بذلك، لكنه خاطب زعماء العرب أن شعوبهم ستقتلهم .. ولم تمض خمس سنوات على استشهاد الرجل حتى انطلقت الشعوب تلتهم كل ما يعترض طريقها من الأصنام وعبدتهم !!
صدام حسين ـ بغض النظر عن تقييم حكمه ـ كان رجل رفض وممانعة حقيقية لا صورية، كان يحمل مشروعا ويحلم بأمّة ـ طبعا الأحلام قد لا تتحقق لسبب أو لآخر ـ وقد ختم الرجل مشواره بأكثر خاتمة رجولة .. 
لقد رحل كما يرحل الرجال، لا كما تموت النعاج أو السحالى (كما رمز الشاعر عبد الرزاق ذات مرة) !
بوصفي مواطنا من المنكب البرزخي لن أشعر هذا اليوم بالكثير من الغبطة، بإختصار لأن هنالك ما يربطني ـ وجدانيا وحتى مصلحيا ـ بذلك الرجل، فأنا ياسادتي درستُ كل أجزاء الشامل في الصف الإبتدائي، ولا أنسى ذلك السطر بالخط الصغير الأسود على غلاف الكتاب يخلّد الجملة التالية في ذاكرتي الطريّة حينها: "هدية من الشعب العراقي إلى القطر الموريتاني الشقيق".
وحين زحفتُ من الريف الأعماقي إلى مدينة النعمة كانت بعض المدارس التي شيّدها العراق شاهدة في طريقي جيئة وذهابا إلى الإعدادية أن مزايا صدام حسين استطاعت أن تبلغ ما تمنى نزار أن يبلغه شعره ـ تقريبا ـ أي أن يدخل كل بيت عربي!
وفي العاصمة انواكشوط، تعالجتُ شخصيا وعالجتُ بعض أفراد عائلتي في واحد من أهم مستشفياتنا الوطنية كان من آثار صدام.. هل أحدثكم عن ما هو أشمل : الثانويات والاعداديات ودعم الإذاعة والتلفزيون والكتب والسلاح (المدرعات والمصفحات والأسلحة الاوتوماتيكية الكثيرة التي اعتمد عليها جيشنا في أحلك أزماته) ، ومنح الطلاب ودورات التدريب والمعونات المالية، ودعم قطاعات أخرى مختلفة وكثيرة!
لن أتناول الشأن العربي العام ولا مساندة فلسطين بشكل عزّ نظيره، حتى لا نختلف كثيرا في التقييم فهذا ليس تقييما وإنما همسات فقط في أذن رجل رحل كما يرحل الرجال !

الحبّ حبّ الذين استنفروا دمهم / فابتلّت الأرض ما ابتلّت به الصحف
حب الذين بلا صوت ، ولا عظـــــة / القوْا ودائعهم للأرض وانصـــــــرفوا
الحب حبّ الذين الموت صال بهم / وعندما قيل صولوا باسمه نكــفوا
(عبد الرزاق)
أحييك اليوم يا أبا عدي، فنمْ قرير العين فقد بدأ حساب كثير ممن تنبأتَ بقتلهم من طرف شعوبهم بعد أن قتلوها عقودا .. أما المعركة الكبرى مع الغزاة المحتلين فلم تتوقف بعد ..!

رحمك الله يا شهيد النحر .. رحمك الله يا رمز الشجاعة والإباء !

وبهذه المناسبة هناك تأبين مساء اليوم في دار الشباب القديمة الساعة الخامسة؛ يشرفنا أن تحضروه