2015 الإستعباد أم الإسترقاق
مساهمة متواضعة جدا فى تشخيص
معمق لهذه الجريمة فى موريتانيا
أليس تصحيح البدايات شرط فى صحة النهايات ’ كما هو معروف عند المناطقة ؟ أليس مشكل الإستعباد هو حديث الساعة ؟ و لا يخفى على أحد لأن لذالك مبرارته الواضحة ؟ أليست هنالك آراء متباينة حول توصيف المشكل ؟ ألست هنالك مقاربتان أساسيتان فى تشخيص الظاهرة/الجرم ؟ موقف رسمى بعثى يتنكر للواقع و ينكر وجود الجرم. و فى نفس الوقت يشرع و يدستر " محاربة الإسترقاق " و ينشأ المحاكم الخاصة بها . و يكمم الأفواه و يخلط الأوراق و يحرك أذرعه الدينية و الإعلامية و القبلية لإخفاء الجريمة و التلبيس عليها و تأمين الإفلات من العقاب للإستعباديين /المجرمين . أما الموقف المقابل فهو إنعتاقى/تحررى و هو موقف الضحايا و المدافعين عنه و على رأسهم إيرا ’ بحكم التضحيات الجسام و المطاردة و الشيطنة و ما ينتزع من الدولة من الناحية التشريعيى على الأقل و إن كانت مسألة التطبيق شيئ آخر مازال عويصا للغاية .هذا الموقف يقيم الحجة و يقدم الدليل الحى الناطق على أن الإستعباد ما زال حيا يرزق فى كل أصغاء الوطن و حتى فى انواكشوط و يمارسه مسؤولين سامون فى الدولة بكل وقاحة و ذل , يمارسون الإستعباد و يلبسونه أثوابا أخرى كما يفعل كل المجرمين فى العالم.
فى سنة 2011 بدأ ملاك العبيد يتوجسون خيفة حيث بدأت إيرا تضغط لجرهم إلى مخافر الشرطة و نشرت الأسماء و تكشفت الدسائس ... فبدأ الأسياد يتخلصون من عبيدهم و يستفتون عن ما تشابه عليهم ... لكن الجنرال الأرعن بادر إلى تصريح فاجأ ملاك العبيد قبل العبيد أنفسهم نفى فيه أى وجود للعبودية فى موريتانيا و إعتبر ما هو موجود هى علاقات حميمية بين أفراد الأسرة الواحدة و أن النيل من هذه العلاقة هو جرم يستهدف " اللحمة " أو النسيج الإجتماعى !هنا تراجع الحراك التحررى إلى نقطة الصفر بل تحت الصفر إذ أن الأسياد الذين كانو قد تخلصو من عبيدهم خوفا من إيرا – لا من الله- عادوهم إليهم من جديد . ولم يعد الشرطى أو الدركى قادر على تسجيل حالة عبودية أبلغ عنها من طرف حركة إيرا أو نجدة العبيدة و أصبح القاضى – بحثا عن الإنسجام مع الموقف الرسمى – يكيف الإستعباد على أنه " تشغيل قصر" أو " منع طفل من التمدرس " بل أصبح بعض الأسياد المتمرسين على الإحتيال و عدم إتقاء الشبهات يستصدرون وثائق عقود عمل محدد فيها أجر مع أنه ليس هناك أى نص حتى اللآن ينظم العمالة المنزلية أو الإستعباد المقنع .
وفى المقابل بدأن الدولة تطارد الحقوقيين و تنكل بهم و تسجنهم كما بدأت سياسة اللعب على الذقون بالتظاهر بتحسين الترسانة القانونية و كل مراجعة للقانون المجرم للإستعباد تفرقه عن محتواه و حتى المراجعة الأخيرة حسب ما بين القاضى هارون إيديقبى مراجعات قانونية هنا و هناك لا تعدو كونها مساحيق تجميلية تعطى صورة مغلوطة عن النظام البعثى الإستعبادى الموريتانى .
لقد فهم النظام الموريتانى ان الدول الغربية الغير مسلمة تحترم القوانين و المعاهدات و الإتفاقات إذ خذاعها بسيط : نستصدر كل صنوف القوانين لكننا لا نطبقها لأننا نحن "مسلم" "عربى" و الكذب عندنا مباح بل واجب لدرء المفاسد و جلب المكاسب ..أما قول الله تعالى مخاطبا عباده المسلمين (افو بالعقود....) نعم ....ولكن.... ! إن الله عفور رحيم !
عندما قرر النظام البعثى الحاكم فى موريتانيا التأسيس للفكرة الرافضة لمجابهة الواقع ( الإستعباد) و بخديعة الغرب و معصية أوامر الله فى شأن "العقود" حرك المؤسسة الدينية كعادته فبدأت الندوات و الملتقيات و الخطب و الظهر الى الوجود مفهوم" الإسترقاق" على كل الألسنة بما يحمل هذا اللفظ من خشونة (اتمزلى) و غرابة على لغتنا و ثقافتنا الضاربة فى التاريخ الجاهلى .. على عكس مفهوم الإستعباد أو العبودية أو العبد أو الخادم (الأمة).
لا يمكن أن يكون استخدام لفظ الاسترقاق بدل لفظ الاستعباد مجرد صدفة و لا مجرد مترادفان يغنى أحدهما عن الآخر.
إذن من اجل المساهمة فى تصحيح البدايات و معرفة أيهما ينطبق على الجريمة فى موريتانيا ؟ هل هو الاسترقاق أم الاستعباد ؟ نتأمل الواقع و نستنطق التاريخ و و نتفق على التوصيف السليم للجرم الذى نحارب .
يقول فتجنشتين إن الفلسفة هى "ضرب من العلاج اللغوي . و العلاج هنا بمعنى التمريض و التقويم و الاستشفاء.فاللغة دوما مريضة بما تحمله من أحاسيس و ضغائن و عصبيات و ردود أفعال ..الخ, تعبركلها عن نفسيات مستخدميها ثم أن الفيلسوف – اليوم – طبيب معالج للمجتمع , و اللغة هى مرآت عاكسة لأمراض المجتمع همومه و احقاده و هفواته و عيوبه ! و لأن المجتمع بطبعه يميل إلى إظهار ما هو إيجابى فى التاريخ بل و يضخمه أحيانا و يبالغ فيه , و إلى إخفاء ماهو سلبى فى تاريخه و العبودية لم تعد مفخرة – كما كانت بالأمس – لدى الأسياد و لا هى كذلك بالنسبة للعبيد فإن الجميع يتفق على إخفائها و تنكر لها .. إذ لكل هذه الأسباب مجتمعة يبدو من الملح إظهار الفرق بين الاسترقاق و الاستعباد لمعرفة أيهما يناسب حالة الجريمة فى موريتانيا ؟
طبعا ستكون مساهمتى متواضعة جدا بحكم ندرة المراجع بمحيطى الحالى لكن دورى هنا هو إثارة الإشكال و طرح الأسئلة لشد الانتباه إلى ما نريد البحث فيه .
الاسترقاق أم الاستعباد؟ أيهما يصف حقا هذه الجريمة فى موريتانيا؟ وما هو الفرق بينهما ؟ لماذا لجأ البعض الي لفظ الإسترقاق بدل الإستعباد أو العبودية ؟ مع أن الأخير معهود فى لغتنا العادية و الأول غريب عليها تماما ؟ فهل هو لعب بالألفاظ ورائه نية "الطلبه" في البحث عن مخرج أحسن , يجنبهم النيل من ركن هام من اركان الإسلام الخليلي أو الدسوقي . . . الخ .؟
إن أول من أظهر ازدواجية التعبير و التباين بين المعنين- حسب علمي –هو فضيلة القاضي المتميز الدكتور هارون ولد إديقبي في مقال له نشر في العدد 19 من مجلة الدرك يقوم فيه "المعالجة التشريعية لجريمة الاستعباد . . . في موريتانيا" ورغم ان القاضي بقي في مجاله , إلا أنه بين بوضوح أن المشرع تعمد الخلط بين المفهومين (الإسترقاق والإستعباد) علي الرغم من اختلافهما في المعني الفقهي و التاريخي و ذاك من خلال "تسميته للمحاكم المختصة في هذه الجريمة بمحاكم الاسترقاق بدل الاستعباد او العبودية مع الاحتفاظ بهذا الطلاق عند تسميته للنص الذي (س)تطبقه هذه المحاكم , الذي يطلق عليه القانون المجرم للعبودية و المعاقب للممارسات الاستعبادية" زد علي هذا أن مفهوم الإسترقاق تستخدمه المؤسسة الدينية خصوصا’ أعني وزارة الشؤون الدينية و كل من يدور في فلكها من فقهاء و أئمة . فهل يعني ذلك ان من شرعوا الإستعباد- بالأمس– و أسسوا له في كتبهم و حواشيهم و شروحهم و مدوناتهم و تحقيقاتهم تعمدوا الحديث عن مفقود هو الإسترقاق للتغطية علي موجود هو الإستعباد ,قد تتضح الصورة أكثر اذا تبين الفرق بين المفهومين فقهيا .يقول القاضي الدكتور هارون ولد اديقيبي في نفس النص المذكور أعلاه "ومعلوم ما بين الدلالتين من فروق خصوصا إذا ما راجعنا المدلول الفقهي للرق الذي هو " "عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر". و كل القرائن و الدلائل تبين ان أصل الإستعباد فى هذه الربوع لم يكن أبدا الكفر "لأن الإسلام دخل هذه الأرض عن طريق القوافل قرون قبل "الفاتحين" من مرابطين و غيرهم . فإختيار المؤسسة الدينية لهذا اللفظ دون غيره ليس أبدا برىء !
أما الدلالة التاريخية للإستعباد الواردة في كتب التاريخ من العلامة احمد باب التمبكتى (963-1032) و صولا إلى الشيخ الناصرى ( ت 1315) فكلها حسب القاضي "اليعقوبى" تدل على أن ما ينطبق على الجريمة هو مفهوم العبودية أو الإستعباد و ليس الرق أو الإسترقاق !
فلم تقم في ه>ه الربوع أي غزوة تستهدف إدخال مجموعة ما أو فئة ما في الإسلام حتى يحصل "العجز الحكمى" مع أن أكثر الباحثين تقدمية في هذا المجال – كما ورد في وثيقة تواصل-أو فتاوى الشيخ الددو و أحمد جدو – تثبت أن الرق في موريتانيا غير شرعى و لكن المبرر الأوحد الذى يستخدمونه هو القول بأنه إختلط رق شرعى بآخر غير شرعى جعل الكل غير شرعى , و هذا غير صحيح فلا أثرلأى رق شرعى في أرض موريتانيا إطلاقا بل هنالك عبودية ظالمة و جائرة تتعلق بها حقوق كثيرة يجب على فقهاء البلد الإجتهاد في البحث عن شكل التوبة التي يجب الأخذ بها .
نحن نيابة عن أجدادنا نفضل المصارحة من أجل المصالحة ,ولن يسكتنا السجن و لا القمع و لا التجاهل و لا الشيطنة و لا الغبن . فقد عهدنا كل هذه الأمور منذ القدم .. ولن يجرنا غباء و لا عنهجية النظام إلى أي شكل من أشكال العنف ! اما الجهر بالسوء من القول فمستثنى لمن ظلم كما في الآية الكريمة (....).
بالفرنسية و الإنكليزية. -SloveryL’Esclavage في اللغات الأجنبية الإستعباد أوالعبودية
وتعنى العمل الإجبارى /القسرى دون تعويض متفق عليه مسيقا بين رب العمل و العامل .وعكس ذلك الحرية التي "غياب الإضطرار و القسر"أي القيام بعمل مع القدرة على عدم القيام به . اما الإسترقاق أو السبب فهو (كابيتيف) الفرنسية أو (بونداج) الإنكليزية و هي غنائن حرب دينية أو سياسية.
فإذا كان الإسترقاق يتم عن طريق العنف فهو في الغالب أقصر عمر من العبودية لأن القوة لا تدوم في الزمن . أما العبودية فوسيلتها "الألينة الفكرية" فهو يؤثر على العقل بطرق فكرية أقواها تأثيرا و أطولها عمراالعامل الدينى لأن مصير الإنسان مربوط بالغيب فيحفر في ذهنه بقوة إن "الله" خلقه و سخره لهذا السيد و إن رضى الخالق يحصل من خلال رضى السيد بل أكثر من ذلك أن جنة العبد تحت أقدام سيده .. و جنة السيد تحت أقدام من ؟
هذا النمط من العبودية هو الذى ساد في موريتانيا و هو ما جعل الموريتانيين و حدهم يتعلقون بشدة بكتب النخاسة لأنها تجيز لهم البغى .. و عن كانت هنالك أصوات ما زالت خافتة تدعو إلى مراجعات دينية تنفى هذه الممارسات و توضح حدود شرعينها . ليس الخطأ في القيام بالفعل عن جهل به , و لكن الخطأ هو التمادى في الخطأ بعد التأكد من أنه خطأ . و إذا كان أهل الحكمة في موريتانيا يفضلون التغيير دون إثارة المجتمع العبودى فنحن نريد التغيير بأسرع السبل و أقلها ثمنا و أيدينا ممدودة لذلك , و يمكننا أن نسامح لكن لا يمكن أن ننسى.
إبراهيم بلال رمظان سجن ألاك