سافر الرئيس...عاد الرئيس...وماذا بعد؟؟؟ باباه سيدي عبد الله

سبت, 2015-10-31 06:44

مسافة الرحلة ذهابا وإيابا من انواكشوط إلى نيودلهي لا تقل عن ثمانية عشر ألف كيلومتر بحساب ((تحليق الطائر Vol d’oiseau )) الذي يعتبر الطريق الأقصر.

و سعر التذكرة الأرخص على الدرجتين السياحية ورجال الأعمال من انواكشوط إلى نيودلهي ذهابا وإيابا يتراوح ما بين ثلاثة آلاف و ثلاثة آلاف وخمسمائة يورو، ويتجاوز خمسة آلاف يورو على الدرجة الأولى.

رئيسنا المكافح للفساد سافر إلى الهند بوفد من سبعة أشخاص أذيعتْ أسماؤهم وعدد مماثل – على الأقل- من الصحافة والحرس الخاص، إضافة إلى وفد المقدمة من وزارة الخارجية.

بعملية حسابية بسيطة، لن تقل تكاليف التذاكر والإقامة وتعويضات السفر - مهما كان غل اليد – عن مائة ألف يورو، أرجو أن تكون رئاسة الجمهورية قد حولتها إلى حساب الموريتانية للطيران، فذلك – إن تم- سوف يكون النتيجة الوحيدة لهذه الرحلة الطويلة.

زار الرئيس الهند وجلب معه ثلاث صور : الأولى مع رئيس الوزراء الهندي، والثانية مع المشاركين فى المنتدى، والثالثة على منصة الخطابة.

وللأسف، كان خطاب الرئيس أمام قمة نيودلهي خارج السياق: لم يستلهم الماضي، ولم يفهم الحاضر،ولم يستوعب أجندة المستقبل.

ولأننا مولعون بمقارنة أنفسنا بالدول المجاورة، سأورد ثلاث فقرات من خطابات ثلاثة من جيراننا الأقربين: " ...فى هذه اللحظة التاريخية، كيف لنا أن لا نستحضر جذور العلاقات الإفريقية- الهندية التي نسجت إبان النضال المشترك لنيل استقلال دولنا؟ كيف لا نتذكر أسلافنا اللوامع: الأسطورة غاندي والرؤساء جمال عبد الناصر، نكوامي نكروما، موديبو كيتا، نلسون مانديلا، جومو كنياتا وآخرين بالطبع؟" (( من خطاب الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا)).

" ...إن الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا ( NEPAD ) ،التي يتولى السنغال رئاستها الدورية، أعدت برنامجا لتنمية البنى التحتية فى إفريقيا للفترة ما بين 2014 و2040 مع خطة عمل تتطلب تمويلا أوليا من 68 مليار دولار لتنفيذها فى أفق 2020 . (( من خطاب الرئيس السنغالي ماكي سال)).

" ... إن التعاون جنوب - جنوب، الذي نطمح إليه، ليس مجرد شعار أو ترف سياسي، بل هو ضرورة ملحة تفرضها حدة وحجم التحديات التي تواجه بلداننا، بحيث لا يمكن معها الإعتماد على أشكال التعاون التقليدية التي أصبحت غير قادرة على الاستجابة للحاجيات المتزايدة لشعوبنا" ( من خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس)).

أما رئيسنا فقد خصص ثلاث فقرات من خطابه لمحاولة تسويق مجموعة "دول الساحل الخمس" باعتبارها عضوا حيويا فى جسم الإتحاد الإفريقي،حيث قال- : "...أودّ في الختام أن اقترح انضمام مجموعة دول الساحل الخمس والتجمعات الاقتصادية الإقليمية للهيئات المكلفة بآلية متابعة تنفيذ اطار 2015 ، للتعاون الاستراتيجي بين افريقيا والهند وخطة عمله التي ستوضع لمساتها الاخيرة لاحقا".

وقبل لك قال الرئيس : "...أدعوكم الى تسجيل هذا المقترح في بياننا الختامي والنظر في تنفيذ برنامج مجموعة دول الساحل الخمس للاستثمارات ذات الأولوية بصفته مشروعا استراتيجيا في خطة عملنا".

وللأسف مرة ثانية، لم يتم تسجيل اقتراح رئيسنا فى "إعلان نيودلهي" ، بينما تمت الإشارة إلى آلية ((الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا NEPAD)) لأنها الإطار التنموي الإستراتيجي الأشمل للإتحاد الإفريقي. ( الهند تريد الإتحاد الإفريقي ككتلة وليس كتجمعات وليدة تقف وراءها أطراف دولية أخرى وتعتبرها جزءا من ساحاتها الخلفية).

اقتراح رئيسنا ينم عن غياب التنسيق بين أطراف العمل الحكومي الموريتاني، وعن تجاهل أو جهل بأن إطلاق فكرة من هذا النوع لا بد أن يسبقه عمل دبلوماسي واسع النطاق يعززه حضور فاعل فى لجان الصياغة التي تعد مشاريع البيانات الختامية لمثل هذه المنتديات الدولية.

كما بدا من خطاب رئيسنا أنه لم يطلع على أجندة الهند التي مهدت لها وكشفتْها فى المنتدى وهي : ضمان دعم الإتحاد الإفريقي –ككتلة- لسعي الهند إلى الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن، ودعمه - أي الإتحاد الإفريقي- للموقف الهندي فى مفاوضات مؤتمر التغير المناخي الذي سوف يُفتتح فى باريس نهاية الشهر المقبل ( تعتبر نيودلهي المدينة الأكثر تلوثا فى العالم، وتحتل الهند المرتبة الثالثة بين دول العالم الأكثر إطلاقا للغازات المسببة للإنحباس الحراري بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري).

ولتحقيق هذه الأجندة على المدى القريب، أعلنت الهند عزمها تقديم 10 مليارات دولار إلى إفريقيا على شكل قروض، أرجو أن لا يكون لنا منها نصيب ، فقد أثقلت كواهلَنا القروض التي سوف تنوء بسداد فوائدها سواعدُ أحفادنا، فرئيسنا ليس على مذهب أبي العلاء المَعَرِّي :هذا جناه أبي عليَّ وما جنيتُ على أحد.

ومن إخفاقات زيارة رئيسنا للهند أنه - وخلافا لرؤساء آخرين- لم يرافقه وفد من رجال الأعمال والقطاع الخاص لبحث فرص الشراكة مع نظرائهم الهنود ( يقول البعض إن الرئيس كان هناك ممثلا لرجال الأعمال والقطاع الخاص)!!!

لم أكتب هذه السطور اعتمادا على مصادري الخاصة فقط ، وإنما انتظرتُ عودة الرئيس إلى انواكشوط وتابعتُ تقارير الإعلام الرسمي حول حصيلة الزيارة، فلا رأت عيني ولا سمعت أذني نشاطا لرئيسنا فى نيودلهي يتعدي الصور الثلاث السالفة الذكر.

مؤسف حقا أن يطير رئيس دولة من أقصى غرب القارة الإفريقية إلى تخوم جنوب القارة الآسيوية ليلتقط ثلاث صور ويعود...!!!