إن إعادة مقتطف من شريط الاحتقان الدائر شمال مالي سينمائيا هو سردية موازية لذاتها عبر أخيلة إبداعية قاربها فيلم “تمبكتو” على طريقة ما يجب أن يكون لا ما هو كان أصلا.
وعلى قدر الحرب الكلامية التي نشبت إثر عرض الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان “كان” الدولي؛ السبت 24 مايو الجاري؛ إلا أن الفيلم شكل في حد ذاته تحديا أخلاقيا كثيرا ما ألجم المجتمع الدولي عقب مأساة تمبكتو.
فيلم تمبكتو أثناء عرضه تحت أضواء المهرجان العالمي كان الضمير الغائب والصوت الجهور الذي أخرج البكاءات الخافتة بعد ما أخمدها صوت الحرب؛ حيث لا صوت يعلو صوت السلاح والمنطق الراديكالي.
هناك جزئية آدمية تكالبت العديد من الأجهزة والمؤسسات الإعلامية لتوجيه عناية مشاهديها إليها؛ لكن العديد من تلك الأجهزة والمؤسسات الإعلامية أستهلكت أخيرا في التفاصيل الضيقة لسياق حربي كارثي.
دوليا بدت خيبة بعض النقاد السينمائيين الذين توقعوا مشاهدة حياة حافلة بالغنى والتراث الإسلامي الصوفي والعمارات الطينية المميزة لثراء “تمبكتو” وعوالمها المختلفة كأعراق ثقافات تعايشت بها؛ إلا أن أولئك في المقابل تناسوا خطورة الوضع الجارف هناك!.
عربيا حاول البعض تجزئة فكرة الفيلم كما مشاهده التي كانت في النهاية حبكة فنية لا مناص من تراصها؛ واصفين التجربة السينمائية الوحيدة عربيا بالنمطية والسطحية!..
لكن يخطئ من يفكر بعقلية المقص أثناء مشاهدته للفيلم؛ ويخفق من تأخذه نظرية المآمرة؛ حين يصوب مشاهد الفيلم بناءا على اعتقادات وأحكام قديمة وانطباعية!..
إن محاكمة فيلم “تمبكتو” هي بالأساس محاكمة للفن السابع وهي مصادرة رأي بغض النظر عن حيثياته؛ ومن هنا نقول: لم يكن فيلم تمبكتو تنميطا سينمائيا!؛ أو مشاهد وصور نمطية على رأي من ينظرون للفيلم من زاوية المنطق لا ما هو معاش فعلا بتمبكتو ومحيطها؛ حيث قوانين الحياة مختلفة وحيث شريعة الغاب هي المنطق المهيمن!..
ببساطة غير متهافتة وبنظرة صحفية غير محكومة بإكراهات التحرير؛ الوضع شمال مالي فرض قوانين وحشية حطمت حياة كثير من القرى والبلدات؛ وشرد سكانها في اتجاهات مختلفة وعناوين المأساة تمكن مطالعتها على واجهة مخيمات النيجر والجزائر وموريتانيا!..
فيلم “تمبكتو” الذي واجه الكثير من التحديات غاب بعضها عن نظر نقاده؛ هو صحوة سينمائية ستذكرها الأجيال التي حظيت بترجمة لمعاناتها وذويها قبل أن يحتويها التاريخ.
لحظة كان العالم متمتعا بكل صلاحياته الأخلاقية ومثله الإنسانية ومقيما غير بعيد من الجغرافيا.
الدرس الأساسي الذي قدمه لنا فيلم “تمبكتو”؛ حقيقة أنه بمقدورنا أن نصير مجتمعا أكثر جشاعة في تعاملنا مع الكوارث التي تحيق بالبشرية؛ دون التفرج في انتظار العدد النهائي للضحايا على طريقة المباحث الصحية.
كما علمنا ـ أيضا ـ وتحت وقع العمل المسلح أنه علينا مواجه المأساة؛ بمثلنا التي تتعاطى مع الفكر الآخر؛ فكر التسامح والحوار وفهم الدين بعيدا عن نظرية المبارزة الفكرية.
أحداث الفيلم التي نأت عن الانجذاب خلف النرجسية الجهادية لدى الراديكاليين كانت سردا واقعيا لأحد الأحداث الأكثر اتراجيديا في تاريخ شعب لا يزال قادته من البيض والخضر يواجهون صعوبات حقيقية في تجاوز عقدة صراعهم الأزلي مع إخوانهم من الماليين السود.
الصحفي البارز الراجل ولد اعمر