الحوار سنة كونية ازلية فطر الله عليها الخلائق كلها ، منذ ان خلق الله الملأ الأعلى والسماوات والأرض و الثقلين ، وعرض الأمانة على السماوات و الارض و الجبال ، فحملها الإنسان فكان بذلك ظلوما جهولا ، و الحوار حالة ملازمة للخلق و الوجود و الحياة و الفناء و البرزخية و السرمدية ، مصداقا لقوله تعالى : " وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسدفيها و يسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " صدق الله العظيم ، و الحوار ايا تكن صفة و طبيعته ونتيجته نقاشا كان ام تفاوض تشاورا او مجادلة ، هو اسلوب رباني وسنة حميدة تواترت بها كتب التنزيل ، ودأبت عليه الأمم الخالية من الأنبياء و الرسل و اصحاب الرسالات العظيمة ، السماوية و الدنيوية العقائدية و المادية ، فضلا عن كونه حالة حضارية و ديمقراطية اجمعت شعوب الارض على نجاعتها ، مصداقا لقوله جل وعلى :" و علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة " محاورا ملائكته ، وقوله تعالى " واذ قال ربك للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس لم يكن من الساجدين قال يا ابليس ما منعك ان تسجد اذ امرتك ، قال انا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين "حوار ومجادلة و تمرد ، وكان الحوار و المجادلة و المحاججة و التفاوض و الشورى ، هوديدن الأنبياء و الرسل و الحكماء لايكاد يخلوا منه لوح ولا سفر و لا سورة قرآنية ، في الكتب السماويةو مجامع وكتب السنة و التاريخ والفلسفة والاجتماع و السياسة ، ولكم في سير الأنبياء و الرسل مع الملوك و الجبابرة و الطواغيت اسوة لمن كان له عقل او ألقى السمع وهو شهيد ، فهذا ابراهيم يخاطب ربه و يناجيه " ربي أرني كيف تحي الموتي قال أولم تؤمن قال بلى و لكن ليطمإن قلبي " ، ومرة اخرى على لسان ربه يقول " فلما راى الشمس قال هذا ربي هذا اكبر فلما أفلت قال لا احب الآفلين " الشك حتى يثبت اليقين و تحصل الهداية و يثبت الإطمئنان ، وذاك موسى مخاطبا ربه " هي عصاي اتوكأ عليها و اهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخري ، ويثني في كتاب ربه بقوله ملتمسا الرضى " وعجلت اليك ربي لترضى " و مجادلا فرعون و ملإه "ان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر " صدق الله العظيم ، وما اخبار قوم هود وصالح و لوط واصحاب الرس ومدين عنا ببعيد ، وهذه حواراتهم و مناشداتهم لأقوامهم وملوكهم محفوظة في القرآن للذكرى ، "" وما اسئلكم عليه من اجر ان أجري الا على رب العالمين " و قوله "" وياقوم اتبعبوا المرسلين " و قوله "" وياقوم افوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا الناس اشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين " و قوله تعالى" قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا انا ارسلنا الى قوم مجرمين ، و قوله تعالى "" ان أريد الا الإصلاح ما استطعت و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه أنيب"" صدق الله العظيم ، و كانت المرأة ايضا حاضرة وبقوة في هذه الحوارات و المجادلات و المشاورات و الأحكام لقوله تعالى على لسان الهدهد "" وجدتها وقومها يعبدون الشمس من دون الله "" وعلى لسان ابنتي موسى ، "" ان خير من استاجرت القوى الامين"" و قوله تعالى " قدسمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله و الله يسمع تحاوركما "" ولم يكن الشباب عنه بغائب بل قريب "" انهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدا و ربطنا على قلوبهم اذ قاموا و قالوا ربنا الله ""صدق الله العظيم ، وتلك حضارات وملوك بابل ونينوى و مصروفلسطين و الشام و فارس و اليونان وروما ، لازالت تحفظ لنا قصص وتاريخ امم خلت و بادت وهي تحاور وتجادل و تتشاورمن اجل الصيرورة و البقاء ،قال تعالى " وما كفر سليمان و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت ، وقال تعالى في ذكر الخليل " سمعنا فتا يذكرهم يقال له ابراهيم " صدق الله العظيم ، وما قصة وحوار يعقوب وابناءه و يوسف و إخوته و مريم وإبنها و قومها عنكم بغريب ، وهو وصية الله الأعظم الأنبياء و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم ، قال تعالى " ولو كنت فضا غليظ القلب الأنفضوا من حولك فاستغفر لهم و شاورهم في الامر فإذا عزمت فتوكل على الله "" صدق الله العظيم ، كذلك عمل الخلفاء الراشدين به مقتدين من بعده مهتدين , وقوله جل من قائل " فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدة الأرض "" صدق الله العظيم .
ان عالم اليوم المتعدد المخاطر و الفجائي التغيرات ،المهدد بعالمية السياسة و الاقتصاد و الامن ، و انهيار الحدود الطبيعية الجغرافية و الثقافية و الإجتماعية ، بسبب ثورة المعلومات و سرعة انتشار الخبر و اختراق النظم الرقمية لكل حيز و مجموعة ، وانحسار المسافات بسبب التطور التكنولوجي الهائل و المتسارع ، لوسائط النقل و الإتصال و التواصل عن بعد و التواصل الإجتماعي ، و سيطرة راس المال العابر للحدود المتعدد الجنسيات ، و انتشار السلاح و ثقافة التهريب و إختراق و قرصنة النظم الأمنية و المعلوماتية ، و هشاشة الأمن في شبه المنطقة و الإقليم مع حدود بلادنا المفتوحة على الأطلسي و الساحل الصحراوي ، يجعل من الحوار غاية قبل ان يكون وسيلة ،ووسيلة لكل من له غايات واهداف سواء كانت خاصة او عامة ، اجتماعية او سياسية او اقتصادية ، حزبية او منظماتية شعبية او جهوية اوفئوية ، لا يأباه لبيب او صاحب قضية او مشروع سياسي كان او مجتمعي او حقوقي ، فعبر الحوار و الحوار فقط الجاد و الشامل و الأمين ، يمكن للأمم و الشعوب و الكيانات السياسية و الإدارية و الدول ، ان تعبر الى شاطئ الأمان و ان يهتدي قبطانها و ساسة شانها الى جادة الصواب ، اذا ازدحمت الآراء وتلاقحت العقول و تكاملت المشاريع ، لتخرج بمقاربات فكرية وتربوية اجتماعية و اقتصادية عدلية و امنية وحقوقية ، تضمن ديمومة الوطن و اسقراره و تأمن نمطا سليما ورشيدا محكما وعادلا ، للسياسة و الإدارة والإنتقال السلس للسلطة والتناوب الديمقراطي على الحكم ،و تؤسس لدولة القانون و المواطنة و سيادة القانون و استقلال المؤسسات الدستورية و الخدمية العامة و منحها الولاية الكاملة ، وبناء وتعزيز الوحدة الوطنية و الاجتماعية و الثقافية ،و ترشيد الثروات الطبيعية و المائية و البحرية فضلا عن الزراعية و الحيوانية و المتجددة ، لينعم الوطن و المواطن كل المواطن وكل الوطن بالأمن و الطمأنينة و الإستقرارو التنمية و التعمير ، متغلبا على جروح وآلام و أخطاء الماضي ، ومنتصرا لنفسه على نفسه متخلصا وبشجاعة من حالة الإنكار و التمادي في الأخطاء ، ومتصالحا مع ذاته و شعبه بمختلف قومياته و اعراقه و ثقافاته المتعدد ، حافظا دون من ولا رياء و لا مساومة ولاخجل دون تسويف اومماطلة ، لكل فئة اجتماعية او ثقافية اواثنية حقها الأصيل ، في الحرية و الكرامة و العدل و المساواة والعيش الكريم في وطنها وبين اهلها وذويها ، فالدين الله و الوطن للجميع و العدل وحده هو النعمة الوحيدة القابلة للتوزيع بين افراد الامة ، وهو صمام امانها و به وحده يصلح شانها او يافل نجمها.
وهنا سيكون من نافلة القول بل ومن بداهات الأخبار ، ان كل الحروب و الإنقلابات والتمردات و المعارضات و المساجلات ، عبرالتاريخ القديم و الوسيط و المعاصر و الحديث ، وكل الانزلاقات و الانحرافات و انفراط عقود الامم و الشعوب و الاحكام ،ومهما كانت طبيعة ونمط تلك الأحكام و خصوصية شعوبها و عقيدة و فكر اصحابها ، كان مستقرها الاخير طاولة الحوار و التفاوض و التنازلات المؤلمة و الصعبة من اجل البقية من اجل البقاء ،من اجل المسقط و المرتع المنطلق و المستقر المنشأ و المدفن ... الوطن ولا شيئ اغلى و اعز و أولى من الوطن ، رغم الدماء ورغم الجراح ، رغم الحقوق ورغم الآلام ، رغم الاقصاء و التهميش و الحرمان ، يبقى الوطن و شعب الوطن و ارض الوطن وحب الوطن، في سويداء كل ذي فطن.
ان الوطن يتسع للجميع و ملك للجميع ومسؤولية الجميع ، ويناجي اهل الفكر و الراي و الحكم ان يفكروا للجميع و عن الجميع ، وان ياخذوا من راي الجميع و يحكمون الجميع للجميع و بالجميع ، ولن يتسنى ذلك الا بمشاركة الجميع و الإصغاء للجميع و انصاف الجميع ، و تحرير الفكر و الراي و التعبير عند الجميع ، هنالك تكون الفكرة و الحركة و الغاية و الهدف من اجل الجميع ، فاعتبروا يا أولي الالباب !!.
واذا ما صح ان البعض الذي تشاور في بلادنا اخيرا ، قد استقررايه وعقد عزمه على ضرورة فتح حوار وطني شامل ، وهوماكنا نبغيه و ننشده ونترجاه ، وتأكدت سلامة القصد و النية لديه وحصلت القناعة المطلقة و الإرادة السياسية الصادقة و الصارمة ، وتوفرت آليات وظروف لتطبيق و تفعيل مخرجات ذلك الحوار الوطني المرتقب الشامل ، و اطمان فرقاء السياسة و المصلحة و اصحاب الحقوق و المطالب الشعبية لذلك، وتم التقيد بمخرجات ما أفضى اليه التشاور كجدول اعمال مؤقت ، حول الهوية و الوحدة الوطنية و مسألة العدالة و حقوق الانسان و الحكامة ، ورموز وشعارات الدولة و التناوب السلمي على السلطة ، و استقلال الهيئات الدستورية و احترام مأموريتها ،.فإنه من الحكمة بل ومن الواجب بحكم المسؤولية الاخلاقية و الادبية و التاريخية ، على بقية الطيف السياسي و الاجتماعي و المهني و الحقوقي مراجعة مواقفه و اشتراطاته، الأن مالا يدرك كله لا يترك جله وما لايتم الواجب الا به فهو واجب ، والسياسة و حركة الحقوق المدنية السياسية و الاجتماعية تدار وفق قواعد ، لاعداوة دائمة و لا صداقة دائمة ، وفن الممكن المتيسر و قاعدته خذ و طالب ،لأنها لعبة القوالب المتحركة وفق قانون الحركة الفيزيائية ، الذي يناقض السكون والجمود و التخندق ، المضيع لمصالح الشعوب و الفئات المغلوبة على امرها ، المقيدة بتخلفها و فقرها و انعدام الوعي فيها ، العاصب للتنمية الهادر للفكر و الوقت و المال و الهادم للشعوب و الأوطان الآمنة .
لكم تحياتي و تقديري / السعد ولد لوليد
نييورك - الولايات المتحدة الأمريكية
من أجل الحرية و الإنعتاق و العدالة و المساواة ، من أجل الوطن .. نفكر ونكتب و نغني .