لقد عجز نظام العصابة عن جر المعارضة (بمفهومها المفتوح) إلى حوار، يتجاوز الجميع أن أهم ما كان ولد عبد العزيز ينتظر منه هو اعتراف معارضة قاطعت انتخابات وصوله للحكم ، بشرعية نظامه و هذا غباء لا يغتفر لو حصل من قبل المعارضة لأنه ينسف مجانا كل ما قدمته من تضحيات لتشريع جريمة وقفت ضدها طيلة 7 سنين.. على ولد عبد العزيز أن يعترف بأنه ادخل البلاد في أزمات خطيرة على شتى الأصعدة و أنه عاجز عن حلها ليكون حينها، من واجب المعارضة الجلوس معه على أي طاولة حوار ..
و عجز عن شق صفوف المعارضة بل أرغمها بمراوغاته المكشوفة و سوء نواياه المبيتة على رص الصفوف في وجهه
و أستطيع الآن أن أجزم أنني لم أر المعارضة الموريتانية في يوم من الأيام على ما هي عليه الآن من توحد و تفاهم و إصرار و وضوح رؤية و لم أراها أيضا ـ وهذا هو الأهم ـ على ما هي عليه اليوم من طهر و نقاء، بعد سحب ولد عبد العزيز لكل طابوره الخامس الذي كان يمزق كيانها، من خلال دعوتهم للمشاركة في “الحوار”، بسبب حاجته إلى إظهار أن المعارضة تعاني من انشقاقات داخلية .. تلك بضاعتهم ردت إليهم، نحن آخر من يحتاجها في شيء..
إن تركيز أبواق ولد عبد العزيز على الحديث عن تمزق المعارضة يعكس بوضوح ارتباكهم أمام صلابة مواقفها و تراص صفوفها و توحيد كلمتها و انسجام رؤيتها؛ إنهم يحاولون كسب المعركة التي خسروها على الميدان، بالأكاذيب و الشائعات و التلفيقات كعادتهم في هجمة استباقية يعتقدون أن الغلبة فيها ستكون للأقدر على الصراخ..
لقد فهمت الآن أن الاهتزازات التي عرفتها المعارضة قبل اتخاذ قرارها النهائي، كانت لها أسباب موضوعية ترتبط بأخطاء الماضي و حسابات الماضي و مغالطات الماضي التي كانت معالجتها بدل المشي عليها كما كان يحدث، تتطلب بالفعل بعض الوقفات الصامتة أحيانا و الصارخة أخرى لبسط مناخ ثقة كانت مهزوزة و خلق أجواء عادلة كانت أقل إنصافا..
لقد عاشت المعارضة أياما صعبة بالفعل في الفترة الأخيرة (مثل كل الولادات الجديدة) و كادت في أكثر من مرة أن تتمزق لكن الفطن يلحظ أن جدية الجميع و إصرار الجميع على الخروج من عنق الزجاجة هو ما ساهم في حدة المواقف و هذا هو كان أهم جانب إيجابي رغم ما كان يشكل من خطورة على تماسك المعارضة: كان الجميع جادا و مصرا على أن تكون المعارضة أو لا تكون؛ فكانت مواقف الجميع تهديدية و اشتراطية و انفعالية . كنا جميعا خائفين و كنا أحيانا نلوم هذا الطرف و نتحامل أحيانا على ذاك الطرف و أحيانا نتهجم على ذلك الطرف .. كانت كل التهم جاهزة و كل أخطاء الماضي متبرعة بشهادتها على عدم نزاهة هذا الطرف أو ذاك و كل الانتقادات واردة ؛ كانت تشققات قشور السنبلة تخيفنا قبل ظهور ميلادها الجميل ..
كان ميلاد هذه المعارضة أمرا مدهشا بالفعل حرمنا الخوف من التمتع بجمالياته لكنه لا يستطيع اليوم أن يحرمنا من التمتع بالثقة فيها و الاعتماد عليها.
فشكرا لكل من تحملوا تحاملنا ..
شكرا لكل من تعرضوا لاتهاماتنا ..
شكرا لكل من تفهموا نزقنا ..
شكرا لكل من قدروا خوفنا ..
شكرا لكم جميعا ؛ لقد كنتم رائعين .. كنتم مسئولين.. كنتم متسامين على هفواتنا المجنونة ..
لا نعتذر لكم اليوم عن أي شيء لكننا نشكركم على صبركم علينا و نفتخر بتفهمكم و تعقلكم و تجردكم و تقديركم لأسباب تطرف مواقفنا..
نعم ، نستطيع الآن أن نجزم أن رحيل ولد عبد العزيز لم يعد أكثر من مسألة وقت ..
نغم، نستطيع الآن أن نجزم بأن مستقبل موريتانيا سيصبح قريبا بأيادي رجال سياسة مثقفين، ديمقراطيين، عنيدين في الدفاع عن مواقفهم ، متسامحين في الخلاف مع غيرهم ؛ لا يصنعون من خصومهم أعداء و لا يعتبرون معارضيهم مجرمين ..
لقد أنهكت أنظمة العصابات بلدنا و أذلت شعبنا و حيدت نخبنا و دمرت ثرواتنا و مزقت وحدتنا و آن لموريتانيا أن تخرج من هذا القمقم :
ـ كل معتوه يتأبط ترخيص حزب سياسي، يتسكع بين المارة بحثا عن من يشتري انحيازه، أصبح جهة سياسية محترمة يقلب موقفها الموازين..
ـ كل أمي أعجزه الكسل و البلادة عن مواجهة الحياة يفتح جريدة أو موقعا ليصبح هزله وجهة نظر و احترام جهله مظهرا ديمقراطيا..
لقد أفسدت العصابات كل شيء في هذا البلد و حولته إلى سخرية حقيقية ليصنعوا مناخا ملائما لتستر جهلهم و شذوذهم و انحراف منطقهم :
يكفينا سعادة أن يحكمنا عاقل لا يستطيع إذا انتقدنا أداءه ، أن يقول لنا بعد سبع سنين من حكمه أنه صنع رصيفا لشارع المطار و أن كل الأحكام التي سبقته لم تصنع رصيفا لشارع المطار.. و أنه زار الرئيس السيسي في مصر و أن كل الرؤساء الذين حكموا موريتانيا قبله لم يزر أي منهم الرئيس السيسي في مصر.. !!!!
إن ما نسمعه يوميا من تفاهات في هذا البلد مدمر للعقول و ترديد بعض الناس له يؤكد أنه مرض معدي، يجب محاربته بكل الوسائل الناجعة: حين يصبح الأمي نائبا في البرلمان و في مجلس الشيوخ و عمدة و رئيس حزب سياسي و رئيس تحرير صحيفة لا بد أن تردد الناس مثل هذه التفاهات …
تحتاج موريتانيا اليوم إلى من يعيدونها إلى سكة الطريق إلى النمو و الازدهار .. إلى من يعيدون تعليمنا إلى مكانته المشرقة حين كان طلابنا يتفوقون في كل كليات العالم بما يبهر المشرفين عليها .. إلى من يعيدون شعبنا إلى مناخ المحبة و الانسجام و يكفي شعبنا إصلاحا اجتماعيا أن لا تستغل الأنظمة القبلية و الجهوية و الفئوية لصالح خططها الانتخابية الأنانية السخيفة..
شكرا لقادة و اطر و جماهير المعارضة على هذا الصمود الصعب و التماسك الرائع حين أصبحت موريتانيا في أمس الحاجة إليكم..
تجلدوا و أصبروا و صابروا ؛ إن موريتانيا تستحق عليكم كل ذلك، فانظروا في وجوه أبناء شعبكم الشاحبة و وجوه من ينهبون ثرواته المدببة لتفهموا قدسية مهمتكم و جسامة مسئولياتكم …
سيتفاجأ المشاركون ـ الأبرياء ـ في هذه اللعبة القذرة بأن مخرجات هذه المهزلة كانت معدة سلفا، لا حصيلة لما دار من نقاشات في ورشات المسرحية ..
لن يظهر ما يريه ولد عبد العزيز في التقرير النهائي و إنما ستظهر الآليات التي ستفضي إليه، فانتبهوا لذلك. وفقكم الله و بارك سعيكم